شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٢٨٥
* إذا لم تستطع شيئا فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع * فإن قيل كيف يرضى لعبده شيئا ولا يعينه عليه قيل لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها له وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمن مفسدة هي أكره إليه سبحانه من محبته لتلك الطاعة وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله * (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) * فأخبر سبحانه انه كره انبعاثهم إلى الغزو مع رسوله وهو طاعة فلما كرهه منهم ثبطهم عنه ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي تترتب على خروجهم مع رسوله فقال * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) * اي فسادا وشرا * (ولأوضعوا خلالكم) * أي سعوا بينكم بالفساد والشر * (يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) * أي قابلون منهم مستجيبون لهم فيتولد من سعى هؤلاء وقبول هؤلاء من الشر ما هو أعظم من مصلحة خروجهم فاقتضت الحكمة والرحمة ان أقعدهم عنه فاجعل هذا المثال أصلا وقس عليه وأما الوجه الثاني وهو الذي من جهة العبد فهو أيضا ممكن بل واقع فإن العبد يسخط الفسوق والمعاصي ويكرهها من حيث هي فعل العبد واقعة بكسبه وإرادته واختياره ويرضى بعلم الله وكتابه ومشيئته وإرادته وأمره الكوني فيرضى بما من الله ويسخط ما هو منه فهذا مسلك طائفة من أهل العرفان وطائفة أخرى كرهتها مطلقا وقولهم يرجع إلى هذا القول لأن إطلاقهم الكراهة لا يريدون به شموله لعلم الرب وكتابه ومشيئته وسر المسألة ان الذي إلى
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»