حكمته تأبى ذلك فلا يكون في جناب الحق تعالى ان يريد شيئا يكون فسادا من كل وجه لا مصلحة في خلقه بوجه ما هذا من أبين المحال فإنه سبحانه الخير كله بيده والشر ليس إليه بل كل ما إليه فخير والشر إنما حصل لعدم هذه الإضافة والنسبة إليه فلو كان اليه لم يكن شرا فتأمله فانقطاع نسبته اليه هو الذي صيره شرا فإن قيل لم تنقطع نسبته إليه خلقا ومشيئة قيل هو من هذه الجهة ليس بشر فإن وجوده هو المنسوب إليه وهو من هذه الجهة ليس بشر والشر الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه والعدم ليس بشيء حتى ينسب إلى من بيده الخير فإن أردت مزيد إيضاح لذلك فاعلم أن أسباب الخير ثلاثة الإيجاد والإعداد والامداد فإيجاد هذا خير وهو إلى الله وكذلك إعداده وإمداده فإن لم يحدث فيه اعداد ولا إمداد حصل فيه الشر بسبب هذا العدم الذي ليس إلى الفاعل وإنما إليه ضده فإن قيل هلا أمده إذ أوجده قيل ما اقتضت الحكمة إيجاده وإمداده وانما اقتضت إيجاده وترك امداده وفإيجاده خير والشر وقع من عدم امداده فإن قيل فهلا أمد الموجودات كلها فهذا سؤال فاسد يظن مورده أن التسوية بين الموجودات أبلغ في الحكمة وهذا عين الجهل بل الحكمة في هذا التفاوت العظيم الذي بين الأشياء وليس في خلق كل نوع منها تفاوت فكل نوع منها ليس في خلقه تفاوت والتفاوت إنما وقع لأمور عدمية لم يتعلق بها الخلق وإلا فليس في الخلق من تفاوت فإن اعتاص عليك هذا ولم تفهمه حق الفهم فراجع قول القائل
(٢٨٤)