الاستعاذة بالله أن يجيره من عدوه ويعصمه من كيده وأذاه إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها فإن قيل فهل كان يمكن وجود تلك الحكم بدون هذه الأسباب فهذا سؤال فاسد وهو فرض وجود الملزوم بدون لازمه كفرض وجود الابن بدون الأب والحركة بدون المتحرك والتوبة بدون التائب فإن قيل فإذا كانت هذه الأسباب مرادة لما تفضي إليه من الحكم فهل تكون مرضية محبوبة من هذا الوجه أم هي مسخوطة من جميع الوجوه قيل هذا السؤال يرد على وجهين أحدهما من جهة الرب تعالى وهل يكون محبا لها من جهة إفضالها إلى محبوبه وان كان يبغضها لذاتها والثاني من جهة العبد وهو أنه هل يسوغ له الرضى بها من تلك الجهة أيضا فهذا سؤال له شأن فاعلم أن الشر كله يرجع إلى العدم أعني عدم الخير وأسبابه المفضية إليه وهو من هذه الجهة شر واما من جهة وجوده المحض فلا شر فيه مثاله أن النفوس الشريرة وجودها خير من حيث هي موجودة وإنما حصل لها الشر بقطع مادة الخير عنها فإنها خلقت في الأصل متحركة فإن أعينت بالعلم وإلهام الخير تحركت به وإن تركت تحركت بطبعها إلى خلافه وحركتها من حيث هي حركة خير وإنما تكون شرا بالإضافة لا من حيث هي حركة والشر كله ظلم وهو وضع الشيء في غير محله فلو وضع في موضعه لم يكن شرا فعلم أن جهة الشر فيه نسبية إضافية ولهذا كانت العقوبات الموضوعة في محالها خيرا من نفسها وإن كانت شرا بالنسبة إلى المحل الذي حلت به لما أحدثت فيه من الألم الذي كانت الطبيعة قابلة لضده من اللذة مستعدة له فصار ذلك الألم شرا بالنسبة إليها وهو خير بالنسبة إلى الفاعل حيث وضعه في موضعه فإنه سبحانه لم يخلق شرا محضا من جميع الوجوه والاعتبارات فإن
(٢٨٣)