شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٢٨١
محبوب لذاته وما فيه من الخير فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد والمراد لغيره قد لا يكون مقصودا لما يريد ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته مراد له من حيث قضاؤه وايصاله إلى مراده فيجتمع فيه الأمران بغضه وارادته ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما وهذا كالدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه وقطع العضو المتأكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب وان خفيت عنه عاقبته فكيف ممن لا يخفى عليه خافية فهو سبحانه يكره الشيء ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره وكونه سببا إلى أمر هو أحب إليه من فوقه من ذلك أنه خلق إبليس الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات وهو سبب لشقاوة كثير من العباد وعملهم بما يغضب الرب سبحانه تبارك وتعالى وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه ووجودها أحب إليه من عدمها منها أنه يظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات فخلق هذا الذات التي هي أخبث الذوات وشرها وهي سبب كل شر في مقابلة ذات جبرائيل التي هي من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها وهي مادة كل خير فتبارك خالق هذا وهذا كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار والدواء والداء والحياة والموت والحسن والقبيح والخير والشر وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه فإنه خلق هذه المتضادات وقابلها بعضها ببعض وجعلها محال تصرفه وتدبيره فخلو الوجود عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير ملكه ومنها ظهور آثار أسمائه
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»