لما حصل له من التمرن على الإدراكات واستحضار صور المدركات وكذا عند توالي الأفكار المؤدية إلى العلوم مع ضعف الدماغ بكثرة الحركات وعند كسر سورة القوى البدنية بالرياضات فلو كان تعلقها بآلات بدنية لكانت تابعة لها في الضعف والكلال وثالثها أنها لو كانت من الماديات لوهنت بكثرة الأفعال والحركات لأن ذلك شأن القوى الجسمانية بحكم التجرية والقياس أيضا فإن صدور الأفعال عن القوى الجسمانية لا يكون إلا مع انفعال لموضوعاتها كتأثر الحواس عن المحسوسات في المدركة وكتحرك الأعضاء عند تحريك غيرها في المحركة والانفعال لا يكون إلا عن قاسر يقهر طبيعة المنفعل ويمنعه عن المقاومة فيوهنه وهم معترفون بأن الوجوه الثلاثة إقناعية لا برهانية لجواز أن تدرك بعض الجسمانيات ذاتها وإدراكاتها من غير توسط آلة وكذا لما هو آلة لها في سائر الإدراكات وأن يكون كمال القوة الجسمانية العاقلة يتعلق بقدر من الصحة والمزاج يبقى مع ضعف البدن أو بعضو لا يلحقه الاختلال أو يتأخر اختلاله وأن يكون حالها بخلاف حال سائر القوى في الكلال والانفعال قال الثالث لو كانت النفس الناطقة جوهرا ساريا في جسم أو عرضا حالا فيه لزم أن يكون تعقلها لذلك الجسم سواء كان تمام البدن أو بعض أعضائه كالقلب والدماغ دائما أو غير واقع أصلا واللازم باطل لأن البدن أو أعضاءه مما يعقل تارة ويغفل عنه أخرى بحكم الوجدان وجه اللزوم أنه إما أن يكفي في تعقل ذلك حضوره بنفسه أو لا بل يتوقف على حضور الصورة منه كإدراك الأمور الخارجة فإن كان الأول لزم الأول لوجوب وجود الحكم عند تمام العلة كإدراك النفس لذاتها ولصفاتها الحاصلة لها لا بالمقايسة إلى لغير ككونها مدركة لذاتها بخلاف ما يكون حصولها للنفس بعد المقايسة إلى الأشياء المغايرة لها ككونها مجردة عن المادة غير حاصلة في الموضوع فإنها لا تدركها دائما بل حال المقايسة فقط وإن كان الثالث لزم الثاني لأنه لو حصل لها تعقل ذلك الجسم في وقت دون وقت كان ذلك لحصول صورته لها بعد مالم تكن وإذ قد فرضنا النفس مادية حاصلة في ذلك الجسم لزم كون تلك الصورة حاصلة فيه فلزم في مادة معينة اجتماع صورتين لشيء واحد أعني الصورة المستمرة الوجود لذلك الجسم حالتي التعقل وعدمه والصورة المتحددة التي تحصل له حال تعقل النفس إياه وذلك محال لأن الصورتين متغايرتان ضرورة والأشخاص المتحددة الماهية يمتنع أن تتغاير من غير تغاير المواد وما يجري مجراها ومبنى هذا الاحتجاج على أن ليس الإدراك مجرد إضافة مخصوصة بين المدرك والمدرك بل لا بد من حضور صورة من المدرك عند المدرك وإلا لجاز أن لا يكون حصول الصورة العينية لذلك الجسم كافيا في تعقله ومع هذا لا يحتاج إلى انتزاع الصورة بل إلى حصول شرائط تلك الإضافة المخصوصة وأيضا لا تماثل بين الصورتين لأن المنتزعة حالة في النفس والأصلية في الجسم بل في مادته
(٣٣)