شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٩٤
وإن أريد الأعم ليتناول أمثال هذه القضايا لم يستقم لأنه لا يتصور التغاير في المفهوم مع الاتحاد في الوجود الذهني إذ لا معنى للموجود في الذهن إلا الحاصل فيه وهو معنى المفهوم قلنا معنى الاتحاد بالذات والهوية والوجود هو أن يكون ما صدق عليه عنوان الموضوع هو بعينه ما يصدق عليه مفهوم المحمول من غير أن ينفرد كل بوجود بل يكون موجودا واحدا عينيا كما في القضايا المعتبرة في العلوم سيما إذا أخذت بحسب الحقيقة أو الخارج أو ذهنيا كما في القضايا الذهنية على ما قالوا أن معنى قولنا المثلث شكل هو أن الذي يقال له المثلث هو بعينه الذي يقال له الشكل وهذا هو المراد بقولهم المراد بالموضوع الذات وبالمحمول المفهوم للقطع بأنه لو أريد أن ذات الموضوع نفس مفهوم المحمول لم يستقم ولم يتكرر الوسط في الشكل الأول فلم ينتج كما إذا أخذت القضية طبيعية المحمول أو الموضوع كقولنا جزء مفهوم الإنسان ناطق وكل ناطق ضاحك وقولنا بعض النوع إنسان ولا شيء من الإنسان بنوع مع كذب النتيجة لأن المعتبر عندهم في الأحكام من الموجبة المعنى الذي ذكرنا وهذه ليست كذلك وبالجملة فمعنى الإيجاب في الذهنيات أن المعقول الأول الذي يصدق عليه في الذهن عنوان الموضوع هو بعينه الذي يصدق عليه مفهوم المحمول من غير تعدد في ذاته ووجوده العقلي وإنما التعدد في مفهوميهما اللذين كلاهما أو أحدهما من ثواني المعقولات فمعنى قولنا شريك الباري ممتنع أن ما يصدق عليه في الذهن أنه شريك الباري يصدق عليه في الذهن أنه ممتنع الوجود في الخارج وعلى هذا فقس قال ولا يلزم في حملهما على الماهية قد يتوهم أنه كما لا واسطة بين الوجود والعدم لا واسطة بين اعتبارهما فالماهية المحمول عليها الوجود أما مع اعتبار الوجود فيكون الحمل لغوا بمنزلة أن يقال الماهية الموجودة موجودة وأما مع اعتبار العدم فيكون تناقضا بمنزلة أن يقال الماهية المعدومة موجودة وكذا في حمل العدم بل كل وصف كقولنا الجسم أسود فإن الموضوع أما مع اعتبار المحمول فلغو أو مع اعتبار عدمه فتناقض فأزال ذلك الوهم بأن الموضوع وإن كان لايخ عن المحمول أو نقيضه وجودا كان أو عدما أو غيرهما لكن لا يلزم أن يعتبر فيه أحدهما وإنما يجيء تقيده من قبل الحمل فإن حمل عليه الوجود كان موجودا أو العدم فمعدوما أو السواد فأسود أو البياض فأبيض من غير أن يعتبر معه شيء من ذلك وكذا الثبوت الذهني وإن كان لازما من جهة أن الحكم على الشيء يستدعي تصوره وهو ثبوت ذهني لكن لا يلزم اعتباره في الموضوع لأن الحكم إنما هو على الذات من غير اعتبار الأوصاف لازمة كانت أو مفارقة فليس معنى قولنا الماهية موجودة أن الماهية الثابتة في الذهن موجودة حتى لو كان المحمول هو الثبوت الذهني أو نفيه لم يكن لغوا أو تناقضا إلا بالنسبة إلى من يعلم أن المحكوم عليه متصور البتة وأن التصور ثبوت ذهني قال ولا يشترط
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»