شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٩٩
أو بجعل الوجود نفس الماهية قال الفارابي في كتاب الجمع بين رأي أفلاطون وأرسطو أنه إشارة إلى أن للموجودات صورا في علم الله تعالى باقية لا تتبدل ولا تتغير وقال صاحب الإشراق وغيره أنه إشارة إلى ما عليه الحكماء المتألهون من أن لكل نوع من الأفلاك والكواكب والبسائط العنصرية ومركباتها جوهرا مجردا من عالم العقول يدبر أمره حتى أن الذي لنوع النار هو الذي يحفظها وينورها ويجذب الدهن والشمع إليها ويسمونه رب النوع ويعبر عنه في لسان الشرع بملك الجبال وملك البحار ونحو ذلك ومع الاعتراف بكونه جزئيا يقولون أنه كلي ذلك النوع بمعنى أن نسبة فيضه إلى جميع أشخاصه على السواء لا بمعنى أنه مشترك بينها حتى يلزم أن تكون إنسانية مجردة موجودة في الأعيان مشتركة بين جميع الأفراد متحققة في المواد فيكون هناك إنسان محسوس فاسد وآخر معقول مجرد دائم لا يتغير أبدا ثم هذا غير المثل المعلقة التي يسمونها عالم الأشباح المجردة فإنها لا تكون من الجواهر المجردة بل كالواسطة بين المحسوس والمعقول ولا تختص بأنواع الأجسام بل يكون لكل شخص من الجواهر والأعراض على ما سيجيء صرح بذلك صاحب الإشراق فقال والصور المعلقة ليست مثل أفلاطون لأن مثل أفلاطون نورية أي من عالم العقل وهذه مثل معلقة من عالم الأشباح المجردة منها ظلمانية ومنها مستنيرة وذكر أن لكل نوع من الفلكيات والعنصريات التي في عالم المثل أيضا رب نوع من عالم العقول وأن رب النوع إنما يكون للأنواع الجسمانية المستقلة وتدبير الأعراض والأجزاء مفوض إلى رب النوع الذي هو محلها من الأجسام مثلا في عالم العقل جوهر مجرد له هيئات نورية إذا وقع ظله في هذا العالم يكون منه المسك مع رائحته أو السكر مع طعمه أو الإنسان مع اختلاف أعضائه قال وقد تؤخذ لا بشرط شيء لا خفاء في تباين المخلوطة والمجردة وأما المطلقة أعني المأخوذة لا بشرط شيء فأعم منهما لصدقه عليهما ضرورة صدق المطلق على المقيد فإن قيل المشروط بالشيء واللامشروط به متنافيان فكيف يتصادقان قلنا التنافي إنما هو بحسب المفهوم بمعنى أن هذا المفهوم لا يكون ذاك وهو لا ينافي الاجتماع في الصدق كالإنسان المشروط بالنطق والحيوان اللامشروط به وإنما التنافي في الصدق بين المشروط بالشيء والمشروط بعدمه كالمخلوطة والمجردة ثم لا نزاع في أن الماهية لا بشرط شيء موجودة في الخارج إلا أن المشهور أن ذلك مبني على كونها جزأ من المخلوطة الموجودة في الخارج وليس بمستقيم لأن الموجود من الإنسان مثلا إنما هو زيد وعمرو وغيرهما من الأفراد وليس في الخارج إنسان مطلق وآخر مركب منه ومن الخصوصية هو الشخص وإلا لما صدق المطلق عليه ضرورة امتناع صدق الجزء الخارجي المغاير بحسب الوجود للكل وإنما التغاير والتمايز بين المطلق والمقيد في الذهن دون الخارج فلذا قلنا أن المطلق موجود في الخارج لكونه نفس المقيد
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»