هو الواجب لامتناع اشتماله على الكثرة ولا النفس لامتناع اشتمالها على الكل بالفعل فتعين العقل الفعال ثم قال وهو الذي عبر عنه في القرآن المجيد باللوح المحفوظ والكتاب المبين المشتمل على كل رطب ويابس وأنت خبير بأن ما ذكره مع ضعف بعض مقدماته مخالف لصريح قوله تعالى * (وعنده مفاتح الغيب) * الآية فليته سكت عن التطبيق ثم القول بأن المراد بما في نفس الأمر ما في العقل الفعال باطل قطعا لأن كل أحد من العقلاء يعرف أن قولنا الواحد نصف الاثنين مطابق لما في نفس الأمر مع أنه لم يتصور العقل الفعال أصلا فضلا عن اعتقاد ثبوته وارتسامه بصور الكائنات بل مع أنه ينكر ثبوته ويعتقد انتفاءه على ما هو رأي المتكلمين وكان المراد أن ما في نفس الأمر على وجه يعم الكل ولا يحتمل النقيض أصلا هو ما في العقل الفعال وأن تغايرا بحسب المفهوم وقد يقال لو أريد بما في نفس الأمر ما في العقل الفعال امتنع اعتبار المطابقة لما في نفس الأمر في علم العقل الفعال لعدم الأثنينية وفي العلم السابق عليه ولو بالذات كعلم الواجب لامتناع مطابقة الشيء لما لا تحقق له معه وفي العلم بالجزئيات مثل هذا الخرف وقيام زيد في هذاالوقت لامتناع ارتسامها في العقل ويمكن الجواب عن الأول بأن صحة الحكم الذي في نفس الأمر لا يكون لكونه مطابقا لما في نفس الأمر بل عينه وعن الثاني بعد تسليم امتناع مطابقة الشيء مع ما هو متأخر عنه بالذات بأن اعتبار المطابقة إنما يكون في العلم الذي هو بارتسام الصورة ولا كذلك علم الواجب على أنهم لا يثبتون له أولا ألا تعقل ذاته وهو عين ذاته وعن الثالث بأن ارتسام الجزئي في العقل على الوجه الكل كاف في المطابقة قال الفصل الثاني في الماهية وهي لفظة مشتقة من ما هو ولذا قالوا ماهية الشيء ما به يجاب عن السؤال بما هو كما أن الكمية ما به يجاب عن السؤال بكم هو ولا خفاء في أن المراد بما هو الذي تطلب الحقيقة دون الوصف أو شرح الاسم وتركوا التقييد اعتمادا على أنه المتعارف واحترازا عن ذكر الحقيقة في تفسير الماهية ومنهم من صرح بالقيد فقال الذي يطلب به جميع ما به الشيء هو هو وأنت خبير بأن ذلك بعينه معنى الماهية وأن هذا التفسير لفظي فلا دور وقد يفسر بما به الشيء هو هو ويشبه أن يكون هذا تحديدا إذ لا يتصور لها مفهوم سوى هذا وزعم بعضهم أنه صادق على العلة الفاعلية وليس كذلك لأن الفاعل ما به يكون الشيء موجودا لا ما به يكون الشيء ذلك الشيء فإنا نتصور حقيقة المثلث وإن لم نعلم له وجود أو لا فاعلا وبالجملة فمبنى هذا التفسير على أن نفس الماهية ليست بجعل الجاعل على ما سيجيء بيانه ثم الماهية إذا اعتبرت مع التحقق سميت ذاتا وحقيقة فلا يقال ذات العنقاء وحقيقته بل ماهيته أي ما يتعقل منه وإذا اعتبرت مع التشخص سميت هوية وقد يراد بالهوية التشخص وقد يراد الوجود الخارجي وقد يراد بالذات ما صدقت عليه الماهية من الأفراد قال وتغاير عوارضها أي ماهية الشيء وحقيقته مغاير جميع عوارضها
(٩٦)