يعني أن الحكم قد يكون صحيحا أي حقا وصدقا وقد يكون فاسدا أي باطلا وكذبا وإن كان غالب استعمال الصدق والكذب في الأقوال خاصة وليست صحة الحكم بمطابقته لما في الأعيان إذ قد لا يتحقق طرفا الحكم في الخارج كما في الحكم بالأمور الذهنية على الأمور الذهنية أو الخارجية كقولنا الإمكان اعتباري ومقابل للامتناع واجتماع النقيضين ممتنع وكقولنا الإنسان ممكن أو أعمى ولا يكفي المطابقة لما في الأذهان لأنه قد يرتسم فيها الأحكام الغير المطابقة للواقع فيلزم أن يكون قولنا العالم قديم حقا وصدقا لمطابقته لما في أذهان الفلاسفة وهو باطل قطعا بل المعتبر في صحة الحكم مطابقته لما في نفس الأمر وهو المراد بالواقع والخارج أي خارج ذات المدرك والمخبر ومعناه ما يفهم من قولنا هذا الأمر كذا في نفسه أوليس كذا أي في حد ذاته وبالنظر إليه مع قطع النظر عن إدراك المدرك وإخبار المخبر على أن المراد بالأمر الشأن والشيء وبالنفس الذات فإن قيل كيف يتصور هذا فيما لا ذات له ولا شيئية في الأعيان كالمعدومات سيما الممتنعات فالجواب إجمالا أنا نعلم قطعا أن قولنا باجتماع الضدين مستحيل مطابق لما في نفس الأمر وقولنا أنه ممكن غير مطابق وإن لم يعلم كيفية تلك المطابقة بكنهها ولم يتمكن من تلخيص العبارة فيها وتفصيلا أن المطابقة إضافة يكفيها تحقق المضافين بحسب العقل ولا خفاء في أن العقل عند ملاحظة المعنيين والمقايسة بينهما سواء كانا من الموجودات أو المعدومات تجد بينهما بحسب كل زمان نسبة إيجابية أو سلبية تقتضيها الضرورة أو البرهان فتلك النسبة من حيث أنها نتيجة الضرورة أو البرهان بالنظر إلى نفس ذلك المعقول من غير خصوصية المدرك والمخبر هي المراد بالواقع وما في نفس الأمر وبالخارج أيضا عند من يجعله أعم مما في الأعيان على ما بينا فصحة هذه النسبة تكون بمعنى أنها الواقع وما في نفس الأمر وصحة النسبة المعقولة أو الملفوظة من زيد أو عمرو أو غيرهما بين ذينك المعنيين يكون بمعنى أنها مطابقة لتلك النسبة الواقعة أي على وفقها في الإيجاب والسلب ولما لم تتصور للنسبة المسماة بالواقع وما في نفس الأمر سيما فيما بين المعدومات حصول إلا بحسب التعقل وكان عندهم أن جميع صور الكائنات وأحكام الموجودات والمعدومات مرتسمة في جوهر مجرد أزلي يسمى بالعقل الفعال فسر بعضهم ما في نفس الأمر بما في العقل الفعال ويستدل على وجوده بأن الأحكام مع اشتراكها في الثبوت الذهني منها ما هو مطابق لما في نفس الأمر كالحكم بأن الواحد نصف الاثنين ومنها ما هو غير مطابق كالحكم بنقيض ذلك فللأول متعلق خارج عن الذهن يطابقه ما في الذهن ولأن من الأحكام ما هو أزلي لا يلحقه تغير أصلا ولا خروج من قوة إلى فعل ولا يتعلق بوضع أو زمان أو مكان مع أن المطابقة لما في نفس الأمر في الكل معنى واحد لزم أن يكون ذلك المتعلق الخارجي مرتسما في مجرد أزلي مشتمل على الكل بالفعل وليس
(٩٥)