الهوية ولا يمتنع كون الواحد لا بالشخص في أمكنة متعددة ومتصفة بصفات متقابلة بل يجب في طبيعة الأعم أن يكون كذلك قال المبحث الثاني الماهية قد تؤخذ بشرط مقارنة العوارض وتسمى المخلوطة والماهية بشرط شيء ولا خفاء في وجودها كزيد وعمرو من أفراد ماهية الإنسان وقد تؤخذ بشرط أن لا يقارنها شيء من العوارض وتسمى المجردة والماهية بشرط لا ولا خفاء في امتناع وجودها في الأعيان لأن الوجود من العوارض وكذا التشخص وفي الأذهان أيضا سواء أطلقت العوارض أو قيدت بالخارجية لأن الكون في الذهن أيضا من العوارض التي لحقت الصورة الذهنية بحسب الخارج لا بمجرد اعتبار العقل وجعله إياه وصفا لها وقيدا فيها وزعم بعضهم أنه يجوز وجودها في الذهن إذا قيدت العوارض بالخارجية زعما منه أن الكون في الذهن من العوارض الذهنية وكأنه أراد بالعوارض الخارجية ما يلحق الأمور الحاصلة في الأعيان وبالذهنية ما يلحق الأمور القائمة بالأذهان وعلى هذا فكون الوجود في الخارج من العوارض الخارجية محل نظر على ما سبق في بحث الوجود فلا يتحقق امتناع وجود المجردة في الخارج أيضا وذكر بعضهم أنها موجودة في الأذهان من غير تقييد للعوارض بالخارجية وبينوه بوجهين أحدهما أن للعقل أن يلاحظ الماهية وحدها من غير ملاحظة شيء معها ورد بأن مثل هذا لا يكون مأخوذا بشرط لا وهو ظاهر وثانيهما أن للعقل أن يعتبر عدم كل شيء حتى عدم نفسه فجاز أن يعتبر الماهية مجردة عن جميع العوارض حتى عن الكون في الذهن وإن كانت هي في نفسها مقرونة بها ورد بأن هذا لا يقتضي كونها مجردة بل غاية الأمر أن العقل قد تصورها كذلك تصورا غير مطابق فإن قيل لا معنى للمأخوذ بشرط لا سوى ما يعتبره العقل كذلك قلنا فح لا يمتنع وجوده في الخارج بأن يكون مقرونا بالعوارض والمشخصات ويعتبره العقل مجردا عن ذلك فصار الحاصل أنه إن أريد بالمجرد مالا يكون في نفسه مقرونا بشيء من العوارض مطلقا أو العوارض الخارجية امتنع وجوده في الخارج والذهن جميعا وإن أريد ما يعتبره العقل كذلك جاز وجوده فيهما فإن قيل فكيف يصح على الأول الحكم بامتناع الوجود في الذهن قلنا هي شبهة المجهول المطلق وقد سبقت قال وما نسب إلى أفلاطون قد نقل عن أفلاطون ما يشعر بوجود الماهية المجردة عن اللواحق وهو أنه يوجد في الخارج لكل نوع فرد مجرد أزلي أبدي قابل للمتقابلات أما التجرد وقبول المتقابلات فليصح كونه جزأ من الأشخاص المتصفة بالأوصاف المتقابلة وأما الأزلية والأبدية فلما سيأتي من أن كل مجرد أزلي وكل أزلي أبدي ولما كان هذا ظاهر البطلان بناء على أن القابل للمتقابلات والجزء من الأشخاص يتصف بالعوارض لا محالة وأنه هو الماهية لا بشرط شيء لا الماهية بشرط لا شيء وأن الوجود من العوارض فالقول بوجود المجردة تناقض اللهم إلا أن تقيد العوارض بغيرالوجود
(٩٨)