شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٩١
وارتفاعها عدما ومنها ما لا يتصور عروض الوجود لها أصلا كالاعتبارات العقلية التي تسميها الحكماء معقولات ثانية فجعلوها لا موجودة ولا معدومة بمعنى أنها ليست متحققة ولا من شأنها التحقق فعندنا تقابل الوجود والعدم تقابل إيجاب وسلب وعندهم تقابل ملكة وعدم والحق أن هذا الظن لا يغني من الحق شيئا أما أولا فلأنه إنما يصح لو كان المعدوم عندهم مباينا للممتنع لا يطلق عليه أصلا كما ذكره صاحب التلخيص لا أعم على ما قرره صاحب المواقف وغيره لظهور أنه لا يعرض له الوجود أصلا وأما ثانيا فلأن الحال حينئذ تكون أبعد عن الوجود من المعدوم لما أنه ليس له التحقق ولا إمكان التحقق وليس كذلك لما أنهم يجعلونه قد تجاوز في التقرر والتحقق والثبوت حدا لعدم ولم يبلغ حد الوجود ولهذا جوزوا كونه جزء الموجود كلونية السواد وأما ثالثا فلأنه ينافي ما ذكره في تفسير الواسطة من أنه المعلوم الذي له تحقق لا باعتبار ذاته بل تبعا لغيره أو الكائن في الأعيان لا بالاستقلال بل تبعا لغيره ويمكن دفع الأخيرين بأن المراد بالتحقق الذي يتصور عروضه للمعدوم دون الواسطة هو التحقق بالاستقلال وأن الواسطة تكون أقرب إلى الوجود من حيث أن التحقق بالتبعية حاصل له بالفعل قال المبحث الخامس قد اشتهر خلاف في تمايز الإعدام فإن أريد أن ليس التمايز أمرا متحققا في الخارج أو ليست للعدمات أو المعدومات هوية عينية متمايزة فضروري لا يتصور فيه نزاع وإن أريد أن ليس لمفهوم العدم أفراد متمايزة عند العقل يختص كل منها بأحكام مخصوصة صادقة في نفس الأمر فباطل لأن عدم العلة موجب لعدم المعلول من غير عكس وعدم الشرط مناف لوجود المشروط وعدم المشروط لا ينافي وجود الشرط وعدم الضد عن المحل يصحح طريان الضد الآخر بخلاف عدم غير الضد ولما لم يكن التمايز إلا بحسب التعقل الذي وقع الخلاف في أنه هل هو وجود ذهني أم لا ذهب صاحب المواقف إلى أن الخلاف في تمايز الإعدام فرع الخلاف في الوجود الذهني فمن أثبته نفاه لأن التمايز لا يكون إلا في العقل أي بحسب التعقل والتصور فإن كان ذلك بوجود في الذهن على ما هو رأي المثبتين لم يتصور معدوم مطلقا أي معدوم ليس له شائبة الوجود لأن كل متصور فله وجود ذهني فلا يكون التمايز إلا للموجودات ومن نفاه أثبته لأن الإعدام ليست لها شائبة الوجود متمايزة في التصور وأنت خبير بأن الأمر بالعكس لأن الفلاسفة المثبتين للوجود الذهني يقولون يتمايز الأعدام وجمهور المتكلمين النافين له هم القائلون بعدم تمايزها فالأولى أن يقال في بيان التفرع أنه لما كان التميز عندهم وصفا ثبوتيا يستدعي ثبوت الموصوف به فمن أثبت الوجود الذهني حكم بتمايز الإعدام عند تصورها لما لها من الثبوت الذهني وإن كانت هي إعداما في أنفسها ومن نفاه حكم بعدم التمايز لعدم الثبوت أصلا قال والعدم قد يعرض لنفسه لما كان الحكم بتمايز الإعدام في التصور مظنة الاعتراض بأن التمايز
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»