بالحال أن الأحوال متخالفة بخصوصياتها ومتشاركة في عموم كونها حالا وما به المشاركة غير ما به الممايزة فيلزم أن يكون للحال حال آخر إلى غير النهاية ودفعه الإمام بأن الحالية ليست صفة ثبوتية حتى يلزم أن يكون للحال حال آخر وذلك لأنه لا معنى للحال إلا مالا يكون موجودا ولا معدوما وهو صفة سلبية فلا يكون الاشتراك فيها اشتراكا في حال ليلزم تسلسل الأحوال ورده الحكيم المحقق بأن الحال عندهم ليس سلبا محضا بل هو وصف ثابت للموجود ليس بموجود ولا معدوم ولهذا لم يجعلوا المستحيل حالا مع أنه ليس بموجود ولا معدوم فإن ذا الحال يشتمل عندهم على معنى غير سلب الوجود والعدم يختص بتلك الأمور التي يسمونها حالا وتشترك الأحوال فيه وهي لا توصف بالتماثل والاختلاف لأن المثلين عندهم ذاتان يفهم منهما معنى واحد والمختلفان ذاتان لا يفهم منهما معنى واحد والحال ليس بذات لأنها التي تدرك بالانفراد والحال لا تدرك بالانفراد والمشترك ليس بمدرك بالانفراد حتى يحكم بأن المدرك من أحدهما هو المدرك من الآخر أوليس (قال الثالث) أي من وجوه إثبات الحال أن الإيجاد ليس بموجود وإلا احتاج إلى إيجاد له محتاج إلى آخر وهكذا إلى ما لا نهاية له ولا معدوم وإلا لما كان الفاعل موجدا لأنه بعد صدور المعلول عنه لم يحصل له صفة وكما لم يكن قبل الصدور موجدا فكذا بعده لا يقال إيجاد الإيجاد عينه لأنا نقول مثل هذا لا يصح في الأمور الموجودة لأن ذلك إيجاد للمعلول وهذا إيجاد للوصف الذي هو إيجاد والجواب أنا نختار أنه معدوم ولا نسلم لزوم أن لا يكون الفاعل موجدا فإن صحة الحمل الإيجابي لا تنافي كون الوصف الذي أخذ منه المحمول معدوما في الخارج كما في قولنا زيد أعمى في الخارج واجتماع الضدين ممتنع في الخارج مع أن كلا من العمى والامتناع معدوم في الخارج قال ولهم أي للقائلين بكون المعدوم شيئا والحال ثابتا على هذين الأصلين تفريعات مثل اتفاقهم على أن الذوات الثابتة في العدم من كل نوع غير متناهية وعلى أنه لا تأثير للمؤثر في تلك الذوات لأنها ثابتة في العدم من غير سبب وإنما التأثير في إخراجها من العدم إلى الوجود وعلى أنه لا تباين بين تلك الذوات بمعنى أنها متساوية في الذاتية وإنما الاختلاف بالصفات لا في الحقيقة وإلا لصح على كل ما صح على الآخر وهو باطل بالضرورة نعم أفراد كل نوع متساوية في الحقيقة وهو ظاهر وعلى أنه يجوز القطع بأن للعالم صانعا متصفا بالعلم والقدرة والحياة مع الشك في وجوده حتى يقوم عليه البرهان وذلك لأنهم جوزوا اتصاف المعدوم الثابت بالصفات الثبوتية واعترض بأن هذا يستلزم جواز الشك في وجود الأجسام بعد العلم باتصافها بالمتحركية والساكنية لجواز أن تتصف بذلك في العدم فيحتاج وجودها إلى دلالة منفصلة وذلك جهالة عظيمة والجواب بأنا بعدما نتصور ذاتا متصفة بتلك الصفات ونصدق بأن صانع العالم يجب أن يكون كذلك يجوز أن نشك في أن للعالم صانعا كذلك أو بأنا بعد العلم بأن كل ما لو وجد كان صانع العالم
(٨٨)