شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣١٨
أحكامه فمنها أن الأجسام متماثلة أي متحدة الحقيقة وإنما الاختلاف بالعوارض وهذا أصل يبتنى عليه كثير من قواعد الإسلام كإثبات القادر المختار وكثير من أحوال النبوة والمعاد فإن اختصاص كل جسم بصفاته المعينة لا بد أن يكون بمرجح مختار إذ نسبة الموجب إلى الكل على السواء ولما جاز على كل جسم ما يجوز على الآخر كالبرد على النار والحرق على الماء ثبت جواز ما نقل من المعجزات وأحوال القيامة ومبني هذا الأصل عند المتكلمين على أن أجزاء الجسم ليست إلا الجواهر الفردة وأنها متماثلة لا يتصور فيها اختلاف حقيقة ولا محيص لمن اعترف بتماثل الجواهر واختلاف الأجسام بالحقيقة من جعل بعض الأعراض داخلة فيها وقد يستدل بأن الأجسام متساوية في التحيز وقبول الأعراض وذلك من أخص صفات النفس وبأن الجسم ينقسم إلى الفلكي والعنصري بما لهما من الأقسام ومورد القسمة مشترك وبأن الأجسام يلتبس بعضها ببعض على تقدير الاستواء في الأعراض ولولا تماثلها في نفسها لما كان كذلك والكل ضعيف ومن أفاضل الحكماء من توهم أن المراد بتماثلها اتحادها في مفهوم الجسم وإن كانت هي أنواعا مختلفة مندرجة تحته فتمسك بأن الحد الدال على ماهية الجسم على اختلاف عباراتهم فيه واحد عند كل قوم من غير وقوع قسمة فيه فلذلك اتفق الكل على تماثله فإن المختلفات إذا جمعت في حد واحد وقع فيه التقسيم ضرورة كما يقال الجسم هو القابل للأبعاد الثلاثة أو المشتمل عليها فيعم الطبيعي والتعليمي ومنشأ هذا التوهم استبعاد أن يذهب عاقل إلى أن الماء والنار حقيقة واحدة لا تختلف إلا بالعوارض كالإنسان دون الفصول والمنوعات الحيوان كيف ولم يسمع نزاع في أن الجسم جنس بعيد ثم قال وقول النظام بتخالفها لتخالف خواصها إنما يوجب تخالف الأنواع لا تخالف المفهوم من الحد (قال ومنها 2) أي من أحكام الأجسام أنها باقية زمانين وأكثر بحكم الضرورة بمعنى أنا نعلم بالضرورة أن كتبنا وثيابنا وبيوتنا ودوابنا هي بعينها التي كانت من غير تبدل في الذوات بل أن كان ففي العوارض والهيئات لا بمعنى أن الحس يشاهدها باقية ليرد الاعتراض بأنه يجوز أن يكون ذلك بتجدد الأمثال كما في الأعراض وقد يفهم من البقاء الدوام وامتناع الفناء وعليه يحمل ما قال في التجريد أن الضرورة قاضية ببقاء الأجسام وتبين بأن غاية أمرها التفرق والانقسام وهو لا يوجب الانعدام وأنت خبير بأن دعوى الضرورة في ذلك في غاية الفساد كيف وقد صرح بجوازه في بحث المعاد واستدل على جواز العدم تارة بالحدوث فإن العدم السابق كالعدم اللاحق لعدم التمايز وقد جاز الأول فكذا الثاني وتارة بالإمكان فإن معناه جواز كل من الوجود والعدم نظرا إلى الذات وأجيب بأن هذا لا ينافي الامتناع بالغير على ما هو المتنازع فإنه يجوز أن يكون الشيء في ذاته قابلا للعدم السابق واللاحق جميعا ويمتنع أحدهما أو كلاهما لعلة والحاصل أن الحدوث لا ينافي إلا بدية كما في النفس
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»