شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٢٢
قلنا إذا لم يكن له تحقق في الخارج لم يكن بينه وبين الماهية تقدم وتأخر إلا بحسب العقل بمعنى أنه إذا لاحظ العقل الماهية والوجود والنسبة بينهما حصل له معقول عارض للماهية هو الإمكان من غير لزوم انقلاب لأن الماهية دائما بهذه الحيثية قال احتج المخالف قد سبقت إشارة إلى الفرق بين الموجود والوجودي والاعتباري والعدمي والتمسكات السابقة إنما دلت على أن ليس الوجوب والإمكان أمرين موجودين في الخارج من غير دلالة على كونهما وجوديين أو عدميين وتمسكات المخالف إنما تدل على أنهما ليسا عدميين من غير دلالة على كونهما موجوديين أو اعتباريين فالظاهر أنهما لم يتواردا على محل واحد إلا أنا اقتفينا أثر القوم فالوجه الأول من تمسكات المخالف وهو مختص بالوجوب أنه لو كان عدميا لزم كون العدم مؤكدا للوجود ومقتضيا لثباته ضرورة أن الوجوب تأكد الوجود واقتضاؤه واللازم باطل لأن العدم مناف للوجود فكيف يؤكده والجواب أنه ليس عدما محضا ليس له شائبة الوجود بل هو أمر اعتباري مفهومه ضرورة الوجود واقتضاؤه فيصلح مؤكدا له الثاني أن الوجوب والإمكان لو كانا عدميين لزم ارتفاع النقيضين لأن نقيضيهما أعني اللاوجوب واللاإمكان أيضا عدميان لصدقهما على الممتنع مع القطع بأن الوجودي لا يصدق على المعدوم وكون النقيضين عدميين هو معنى ارتفاعهما والجواب أن صدق الشيء على المعدوم لا ينافي كونه مفهوما يوجد بعض أفراده كاللاإنسان الصادق على الممتنع وعلى الفرس ونحن لا نعنى بالموجود والوجودي ما يكون جميع أفراده الممكنة موجودة البتة ولو سلم فلا نسلم استحالة كون النقيضين عدميين كيف وهو واقع كالامتناع واللاامتناع والعمى واللاعمى وما ذكر من أنه ارتفاع النقيضين ممنوع بل معنى ارتفاع النقيضين في المفردات أن لا يصدقا على شيء حتى لو لم يصدق الوجوب واللاوجوب على شيء بل كانا مسلوبين عنه كان ذلك ارتفاعا للنقيضين وليس معناه خلو النقيضين عن الوجود والثبوت في نفسهما بأن يكون الامتناع معدوما وكذا اللاامتناع لصدقه على المعدوم الممكن فإن استحالة ذلك ممنوعة نعم ارتفاع النقيضين في القضايا هو أن لا تصدق القضيتان المتناقضتان في أنفسهما ولا يثبت مدلولاهما بأن يكذب قولنا هذا ممكن وهذا ليس بممكن وهذا كسائر النسب من المساواة والعموم والخصوص والمباينة فإنها في المفردات تكون باعتبار صدقها على الشيء وفي القضايا باعتبار صدقها في نفسها وثبوت مدلولاتها مثلا إذا قلنا الإنسان أخص من الحيوان فمعناه أن كل ما صدق عليه الإنسان صدق عليه الحيوان من غير عكس وإذا قلنا الضرورية أخص من الدائمة فمعناه أنه كلما صدقت الضرورية في نفس الأمر صدقت الدائمة من غير عكس بمعنى أن كل موضوع
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»