شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١١٢
فنقول الحقيقة النوعية المتحصلة بنفسها أو بما لها من الذاتيات قد يلحقها كثرة بحسب ما يعرض لها من الكميات والكيفيات والأوضاع والإضافات واختلاف المواد وغير ذلك وربما تنتهي العوارض إلى ما يفيد الهذية وامتناع الشركة كهذا الإنسان وذاك وتسمى العوارض المشخصة فلا بد في تحصيل موضوع القضية المطلوبة من بيان أن المراد بالتشخص هو تلك العوارض أو ما يحصل عندها من الهذية أو عدم قبول الشركة أو كون الحصة من النوع بهذه الحيثية أو نحو ذلك ثم لا بد لتحصيل معنى المحمول من بيان المراد بالوجودي والعدمي والاعتباري فقيل العدمي المعدوم وقيل ما يكون عدما مطلقا أو مضافا متركبا مع وجودي كعدم البصر عما من شأنه أو غير متركب كعدم قبول الشركة وقيل ما يدخل في مفهومه العدم ككون الشيء بحيث لا يقبل الشركة والوجودي بخلافه فهو الموجود أو الوجود مطلقا أو مضافا أو ما لا يدخل في مفهومه العدم والعبرة بالمعنى دون اللفظ حتى أن العمى عدمي واللاعدم وجودي وفي المواقف أن الوجودي ما يكون ثبوته لموصوفه بوجوده له أي بحسب الخارج نحو السواد لا أن يكون ذلك باعتبار وجودهما في العقل واتصاف موصوفه به فيه أي في العقل دون الخارج كالإمكان وهو أعم من الموجود لجواز وجودي لا يعرض له الوجود أبدا لكنه بحيث إذا ثبت للموصوف كان ذلك بوجوده له وهذا ما قال القاضي الأرموي إذا قلنا لشيء أنه وجودي لا نعني أنه دائم الوجود بل نعني أنه مفهوم يصح أن يعرض له الوجود الخارجي عند قيامه بموجود وعند قيامه بمعدوم لا يكون له وجود وكأنه يريد الأعم من وجه وإلا فمن الموجود مالا يسمى وجوديا كالإنسان وغيره من المفهومات المستقلة وأما الاعتباري فهو ما لا تحقق له إلا بحسب فرض العقل وإن كان موصوفه متصفا به في نفس الأمر كالإمكان فإن الإنسان متصف به في نفس الأمر بمعنى أنه بحيث إذا نسبه العقل إلى الوجود يعقل له وصفا هو الإمكان ويقابله الحقيقي إذا تقرر هذا فلا خفاء في أن العوارض المشخصة وجودية والهذية اعتبارية وتميز الفرد عما عداه وعدم قبوله الشركة وكونه ليس غيره أو لا يقبل الشركة عدمية قال المبحث الثالث لا بد في التعين من كون المفهوم بحيث لا يمكن للعقل فرض صدقه على كثيرين وهذا معنى امتناع الشركة ذهنا ومعلوم أنه لا يحصل بانضمام الكلي إلى الكلي لأن كلا من المنضم والمنضم إليه والانضمام لكونه كليا يمكن للعقل فرض صدقه على كثيرين بل على مالا يتناهى من الأفراد وإن كان بحسب الخارج ربما لا يوجد منه الأفراد بل يمتنع تعدده كمفهوم الواجب فإن قيل حكم الكلي قد يخالف حكم كل واحد فيجوز أن يكون كل من المنضم والمنضم إليه كليا والمجموع جزئيا قلنا لا معنى للانضمام ههنا سوى أن العقل يعتبر مفهوما كليا كالإنسان ثم يعتبر له وصفا كليا كالفاضل ومعلوم بالضرورة أن الكلي الموصوف بالأوصاف الكلية
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»