وما كان الله ليترك مكان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) السياسي شاغرا حتى يصبح ألعوبة بيد حفنة من بني أمية وبني العباس. لقد وضع الله برنامجا كاملا لإنقاذ البشرية وجعل تنفيذه بالأسباب، لكن الإنسان ذلك الظلوم الجهول، حال دون تنفيذ هذا البرنامج وصدق الله إذ قال:
(ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار) (١).
﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾ (٢).
﴿ولو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا﴾ (3).
قعود الإمام عن حقه قد يتبادر للذهن سؤال: لماذا قعد علي (عليه السلام) عن حقه في الخلافة؟
قال شرف الدين في جوابه عن هذا الإشكال: "... خشية من عواقب الاختلاف في تلك الحال، وقد ظهر النفاق بموت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقويت بفقده شوكة المنافقين، وعتت نفوس الكافرين، وتضعضعت أركان الدين، وانخلعت قلوب المسلمين، وأصبحوا بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب عادية، ووحوش ضارية وارتدت طوائف من العرب، وهمت بالردة أخرى.
فأشفق علي في تلك الظروف أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس، مخافة البائقة وفساد العاجلة، والقلوب على ما وصفنا، والمنافقون على ما ذكرنا، يعضون عليهم