وركبت السفينة - مروان خليفات - الصفحة ٥٣
ولم يزل علم الفقه كريما يتوارثه الأئمة، معتمدين على الأصلين الكتاب والسنة، مستظهرين بأقوال السلف على فهم ما فيها من غير تقليد، فقد نهى إمامنا الشافعي (رضي الله عنه) عن تقليده وتقليد غيره. وكانت تلك الأزمنة مملوءة بالمجتهدين، فكل صنف على ما رأى، وتعقب بعضهم بعضا، مستمدين من الأصلين الكتاب والسنة، وترجيح الراجح من أقوال السلف المختلفة، ولم يزل الأمر على ما وصفت إلى أن استقرت المذاهب المدونة، ثم استظهرت المذاهب الأربعة وهجر غيرها... وإنما وضع الشافعي وغيره من الأئمة الكتب إرشادا للخلق إلى ما ظنه كل واحد منهم صوابا، لا أنهم أرادوا تقليدهم ونصرة أقوالهم كيفما كانت، فقد صح أن الشافعي (رضي الله عنه) نهى عن تقليد غيره " (١).
وقد جعل أبو شامة الشافعي في كتابه مختصر المؤمل عنوان في: " نصوص الأئمة في الرجوع إلى الكتاب والسنة والنهي عن تقليدهم " (٢).
وقد تحدث أبو شامة عن العلماء في عصره وتقصيرهم، وتحدث عن أقوال المقلدين الملتزمين بأقوال من سبقهم من غير معرفة بأدلتهم، فقال: " ومنهم من قنع بزبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم، وبالنقل عن أهل مذهبه، وقد سئل بعض العارفين عن معنى المذهب فأجاب أن معناه: دين مبدل. قال تعالى ﴿ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا﴾ (3) ألا ومع هذا يخيل إليه أنه من رؤوس العلماء، وهو عند الله. وعند علماء الدين من أجهل الجهلاء، بل بمنزلة قسيس النصارى أو حبر اليهود، لأن اليهود والنصارى ما كفروا إلا بابتداعهم في الأصول والفروع، وقد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (لتركبن سنن من كان قبلكم) (4).
34 - قال الفلاني في الإيقاظ: " قال شيخ مشايخنا المحقق أبو الحسن السندي في

١ - مختصر المؤمل في الرد للقرن الأول. الرد، السيوطي: ص ١٤١ - ١٤٢.
٢ - راجع ص ٥٦ من كتابه.
٣ - الروم: ٣٣.
4 - ذكره عنه عمر الأشقر في تاريخ الفقه الإسلامي: ص 148 - 149.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»