هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي - الصفحة ٢٠٨
هجينا، وكانوا إذا نزل عربي بحي من أحيائهم فمن العار أن يباع عليه الطعام بيعا بل يقدم له بعكس الموالي: يقول جرير الشاعر: وقد نزل ببني العنبر فلم يضيفوه وباعوه القرى بيعا:
يا مالك بن طريف إن بيعكم * رفد القرى مفسد للدين والحسب قالوا نبيعكم بيعا فقلت لهم * بيعوا الموالي واستحيوا من العرب (1) وذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار، أو كلب، أو مولى، وكانوا لا يكنون المولى ولا يمشون معه في الصف ولا يواكلونه بل يقف على رؤوسهم فإذا أشركوه بالطعام خصصوا له مكانا ليعرف أنه مولى وكانت الأمة لا تخطب من أبيها وأخيها وإنما من مولاها وكانوا في الحرب يركبون الخيل ويتركون الموالي مشاة (2).
ومن الحق أن يشار إلى أن فعل العرب هذا بالموالي هو ردة فعل لما كان يعامل به العرب من قبل الروم والفرس، وكان ما أشرنا إليه من معاملة للموالي هو على مستوى سائر الناس، أما ما كان على مستوى الحكام فكان لا يلتقي بحال من الأحوال مع الإنسانية وخصوصا ولاة الأمويين كالحجاج الذي لم يرفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، والذي وسم أيدي الموالي وردهم إلى القرى لما هاجروا للمدن (3) كل ذلك دفع هؤلاء الموالي إلى تبني شعار الإسلام والدعوة للمساواة فسموا أهل التسوية، ثم مرت ظروف أدت إلى رفع شأن الموالي خصوصا أيام عمر بن عبد العزيز وما بعده فتحفزوا لإثبات وجودهم وتطور الأمر بعد ذلك أن بدأت ردود الفعل تشتد فتصل إلى احتقار العرب وشتمهم.
أما القسم الثاني:
الذي هو فعل فهو امتداد للعصور السالفة عندما كان العرب أيام الأكاسرة

(1) الكامل للمبرد ج‍ 2 ص.
(2) مظاهر الشعوبية لمحمد نبيه حجاب ص 51.
(3) تاريخ الطبري ج‍ 8 ص 35.
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»