ضامر من كل فج عميق.
فكان هاشم يفرض على قريش جعلا رقيقا هو أشبه ما يكون بالتخيير منه بالتكليف، والأمر أن يجبوا إليه من أموالهم الطاهرة الطيبة، ما لم يقطع فيه رحم، ولم يؤخذ بظلم، ولم يدخل فيه حرام من الربا.
أجمع المؤرخون على أن الله امتحن أهالي مكة بسنوات عجاف كسني يوسف، فقد أكلت الأخضر واليابس، وأرهقت من أمرهم عسرا، فخلت البيوت مما فيها من قوت، والجيوب مما يسد الرمق، فهب عند ذلك هاشم وحده ونهض بهذا العبء يمد المجاعة بالشبع، والفقر بالغنى، فأصحر إلى الشام عجلا، لا يتريث تعبا حتى إذا بلغها تحمل من البر وشحن ما شاء أن يشحن مما يحتاج إليه الناس، وعاد كما جاء مسرعا يصل نهاره بليله حتى إذا بلغ مكة أمر الطهاة أن يعدوا الخبز، والجزارين أن يهيؤوا اللحم لهذه القصاع الكريمة، ويجعل الطعام أكواما، ينثال عليها الناس من كل حدب