مكة فيضا وغيثا وخيرا عارما وادقا، ثم تجاوزت مكة إلى الحجاز كله ثم ضاق بها هذا القطر الضيق بطماحها وآمالها فتدفقت من هنا وهناك في مسارب الأرض ومسالك البيد تنجد وتتهم وتشئم وتعرق وتتيمن وتتحبش وتترك في كل مكان نشرا وفي كل نجد عطرا وفي كل أرض ذكرا.
لو أن لهذه البداية مصدرا من العقل لاعتاضت - إذن - عن الجفاء بالولاء وعن الصد بالود وأقبلت على هذا معتزة مزهوة فيمن أقبل من قريش القريبة ومن قريش البعيدة ومن غير قريش ممن ألم بمكة في تجارة أو زيارة ولكن هذه البداية انسبقت بالحسد فامتلأ صدر أمية من كل ذلك غيظا وظل ذاكي الحقد حران الصدر غير منقوع الغليل.
ومرد هذا الحسد وجود هاشم هذا الوجود الذي ملأ السمع والبصر، وبلوغه من دولة مكة ما لم يبلغ