والنواء يثبت أن تداخل الأنساب في تأريخهم شئ مألوف فعلوه في الجاهلية، ولم يتحرجوا عنه في الإسلام حين احتاجوا إليه في زياد بن أبيه هذا الذي تآخاه معاوية وتبناه لأبيه فيما هو معروف من أمره مشهور شهرة تغنينا عن شرحه وإيضاحه (1).
(١) تتضافر الأخبار وتتواتر في مسألة إلصاق زياد بالأمويين وحسبنا ما جاء في كتاب كتبه حبر الأمة عبد الله بن العباسليزيد بن معاوية جوابا له على كتاب كان يريد إيراده إليه يثني فيه عليه ويستميله به إليه وقد بلغه أن ابن العباس امتنع عن بيعة عبد الله بن الزبير فظن يزيد أنه إنما آثره على ابن الزبير فأراد أن يستحثه على نصره ويعده في ذلك ويمنيه ولكن ابن العباس سفه رأيه وعاب عقله حين خدعه فيه، ثم ذكره بثاراته عنده في قتل الحسين وسبي نسائه وجابهه بعدم الرضي ولا كرامة وكان مما قال: " ومهما أنس من الأشياء فلن أنسى تسليطك عليهم ابن مرجانة - يعني ابن زياد - الدعي ابن الدعي العاهر الفاجر اللئيم أما وأبا، الذي اكتسب أبوك في ادعائه إياه لنفسه العار والخزي والمذلة في الدنيا والآخرة، فلا شئ أعجب من طلبك ودي ونصري وقد قتلت بني أبي إلخ " راجع الكتاب في الجزء الرابع من أنساب الأشراف للبلاذري.
وأضيف إليه ما رواه البلاذري أيضا في (٤: ٧٨) عن يزيد ابن مقرع حيث يقول:
ألا أبلغ معاوية بن حرب * مغلغلة من الرجل اليماني أتغضب أن يقال أبوك عف * وترضى أن يقال أبوك زاني فأقسم إن رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الأتان وقال في عبيد الله بن زياد (أنساب الأشراف 4: 79):
شهدت بأن أمك لم تباشر * أبا سفيان واضعة القناع ولكن كان أمر فيه لبس * على وجل شديد وارتياع وقال عقيبة الأسدي كما في البلاذري (4: 78) أيضا:
نجار فهر مبين في توسمهم * لكن نجار زياد غير معروف لستم قريشا ولكن أنتم نبط * صهب اللحى والنواحي ضهية الليف وقال عروة بن أدية (البلاذري 4: 88) لعبيد الله بن زياد:
أولك لزنية وآخرك لدعوة.
والشهادات على دخلة نسب ابن سمية كثيرة جدا ولا تقل عنها كثرة وتوفر الشهادات على أن في أنساب الأمويين تداخلا مصدره تبني الإماء والعبيد وعدم المبالاة في أنسابهم حتى شاع فيهم الاختلاط وكثرت الدعوة لغير الآباء وحتى عرض بعضهم ببعض في ذلك، يقول البلاذري (4: 138): إن يزيد ولى عمرو بن سعيد الأشدق على المدينة ثم عزله وولى عثمان ابن محمد بن أبي سفيان فلما انتهى إليها خطب الناس وذكر عمرا بسوء - وعمرو حاضر - فغضب عمرو ونهض فقال:
يا عثمان ما أنا بحلو المذاقة وإني لقمان المضرة، ولقد ضرستني الأمور وجرستني الدهور، فزعا مرة وأمنا أخرى، وإن قريشا لتعلم أني ساكن الليل داهية النهار لا أتتبع الظلال، ولا أقمص حاجتي، ولا يستنكر شبهي ولا أدعى لغير أبي.