فمما يمكن احتماله هنا كذلك هو أن الخليفة قد تصور - والعياذ بالله - أن أقوال الرسول هي ككلمات الرهبان والأحبار - المسببة لانحراف اليهود - فأراد أن يبعد الأمة عن هذا الانحراف بنهيه تدوين كلام رسول الله - العياذ بالله -.
وأنت تعرف أن هناك فرق واضح بين الأمرين، فكلام الرسول ليس يشبه كلام الرهبان في شئ، فكلام الرسول هو المبين لأحكام الله، أما كلام الرهبان وموقفهم فهم الذين حرفوا كلام الله.
أما التعليل الثاني، وهو الخوف من الاختلاط بالقرآن، فهو الآخر باطل، لأن الأسلوب القرآني يختلف عن الأسلوب الحديثي، لأن الحديث ما هو إلا توضيح وتفسير لكلام الله وما أراده الوحي، ولم يلحظ فيه الجانب البلاغي بقدر ما لوحظ الجانب التفسيري وأريد منه، فحمل أحد الأمرين على الآخر باطل، لأن القرآن جاء على نحو الاعجاز والبلاغة، وقد عرفه مشركوا قريش حتى قالوا عنه: ﴿سحر مستمر﴾ (١).
ولأجل هذا نرى إمكان تصور الكذب على رسول الله وعدم إمكان ذلك في القرآن، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار) (٢) أو:
(ستكثر القالة علي)، أما إمكان تصور ذلك في القرآن فمحال، لقوله تعالى:
﴿فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين﴾ (3)، وفي آخر: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم