ولو رجعنا للغايات الإلهية التي تقف وراء الشهادة والتي تشير إليها الآيات القرآنية الكريمة:
" وإذ أخذ ربك من بني أدم من ظهورهم ذريتهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ". (1) لوجدنا أن طبيعة إلقاء الحجة الربانية كاملة على بني آدم لا تتوقف عند قوم دون آخرين، وإنما يجب سريانها على جميع الأقوام والأمم, وذلك لأن هذه الغاية رافقت البنية التكوينية لبني آدم، ولذا فإن من الطبيعي بمكان أن يتلازم بقاء الجنس البشري، مع بقاء هذه الحجة، وإن انتفاء أحدهما يستلزم انتفاء الثاني لاستحالة أن يقال أن الإرادة الربانية إرادة عباثة في مخلوقاتها.
ولا أعتقد أن ثمة عسر في الوصول إلى تلازم آخر، وهو تلازم أمر الشهادة مع وجود المعاينة، فليس من معنى للشهادة بمعزل عن أن يكون الشاهد معاينا لما سيشهد به, ومع هذا الحال يتبدى للوهلة الأولى أن ثمة تناقض بين هذا المفهوم، وبين مفاد الآيات التي أشارت إلى شاهدية الرسول، وقد أشير إلى هذه الشاهدية بمعنى مطلق، الأمر الذي يعني أن شهادة الرسول لا تتوقف عند زمانه فحسب، بل هي تمتد إلى ما بعد زمانه الشريف