ثم في مدة الخمس سنوات - تقريبا - التي حكم فيها، ابتلي بحروب صعبة، حرب الجمل، وصفين، والنهروان!
لكن في هذه الفرصة القليلة كان (عليه السلام) إذا أسندت له وسادة الكلام، نطق بما هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق - على حد تعبير ابن أبي الحديد - (1).
ومن تأمل في حقائق خطبته الأولى من نهج البلاغة في معرفة الله تعالى، ولطائف خطبته في أوصاف المتقين، وسياسة النفس، وما أودع في عهده إلى مالك الأشتر من قواعد إدارة المجتمع وسياسة المدن، يرى أنه بحر محيط في الحكمة النظرية والعملية، مع أن هذه الروائع الثلاث ما هي إلا قطرات من ذلك البحر!
كان إذا قدم إلى الحرب لم يشهد التاريخ شجاعا مثله، كان يلبس درعا لا ظهر له (2)، وفي ليلة واحدة تواصل فيها القتال إلى الصباح أحصوا له خمسمائة وثلاثا وعشرين تكبيرة، مع كل تكبيرة كان يجدل عدوا لله إلى الأرض (3)!.
وفي نفس تلك الليلة (ليلة الهرير) وقف بين الصفين يصلي صلاة الليل، ويؤدي مراسم العبودية لربه، فأمر أن يبسط له نطع ما بين الصفين، ودخل في صلاته بين يدي ربه، غير مكترث برشق السهام بين يديه وعن جنبيه، حتى أكمل نافلته (4)، فلم يشغله شئ من ذلك عن العبودية لله كسائر الأوقات!
كان إذا أحجم المسلمون في الحرب، ورهبوا من مبارزة الأبطال كعمرو بن