مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ١٠١
وفيما قدمناه من نماذج هدايته النظرية كفاية.
ومن ناحية عملية: نزل القرآن في مجتمع مصاب بأسوأ الأمراض الإنسانية، وقد وصل فيه الانحطاط الفكري إلى حد اتخذت كل قبيلة صنما لها، فتجعله إلهها الخاص! بل كانت العائلة تتخذ صنما لها، وربما تصنعه من التمر فتعبده وتسجد له صباحا، ثم عندما تجوع، تأكل إلهها!
فجاء القرآن وعالج آفات أفكارهم، بحيث حمدوا خالق الكون بأنه {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم } (1)، فخروا له سجدا وقالوا: (سبحان ربي الأعلى وبحمده).
وفي مجال العاطفة الإنسانية، نلاحظ أن المجتمع الذي بعث فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتصف بقسوة شديدة جعلتهم يئدون بناتهم ويدفنونهن وهن أحياء! (2)، فأحيا فيهم العواطف الإنسانية، بحيث تحولوا إلى أرحم أمة فاتحة، فعندما فتحوا مصر رأوا حمامة بنت عشها على خيمة من خيام معسكرهم، ولما أرادوا أن يرحلوا تركوا لها الخيمة حتى لا يخرب عشها، وسموا الخيمة بالفسطاط، ثم سموا المدينة التي بنوها هناك باسم الخيمة (فسطاط مصر) (3).

(١) سورة البقرة: ٢٥٥.
(٢) راجع الكافي ج ٢ ص ١٦٢، كتاب الكفر والايمان، باب البر بالوالدين ح ١٨.
(٣) معجم البلدان ج ٤ ص ٢٦٤.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»