مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ١١٠
ألا وأنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى من عفصة مقرة ". إلى أن قال: " ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع،... " (1).
إن الحكومة الإسلامية تتجلى في مرآة وجود حاكم كان مركز حكمه بالكوفة، وكان يمنعه احتمال وجود من لا عهد له بالشبع بالحجاز أو اليمامة من أن يمد يده إلى لذيذ الطعام، ولا أعد لبالي ثوبه طمرا، ولا حاز من أرض الدنيا شبرا، وهكذا كان قوته وملبسه ومسكنه في الدنيا، لئلا يكون أحسن معيشة من أفقر أفراد رعيته.
لقد طبق (عليه السلام) العدالة في أطراف مملكته، بحيث أنه لما رأى درعه عند يهودي، وقال له: " درعي سقطت عن جمل لي أورق ". فقال اليهودي: درعي وفي يدي، ثم قال له اليهودي: بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتوا شريحا، فلما رأى عليا قد أقبل تحرف عن موضعه وجلس علي فيه، ثم قال علي: " لو كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس... " ثم قال لليهودي: " خذ الدرع " فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي، صدقت والله يا أمير المؤمنين انها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله،

(1) نهج البلاغة: رسالة رقم 45.
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»