مسكينا، وصام ثلاثة أيام (1).
وقد أعتق ألف مملوك من كد يده (2).
وعندما خرج من الدنيا كان عليه دين ثمانمائة ألف درهم! (3).
وذات ليلة جاءت إلى بيت ابنته ليفطر عندها، فما كان على مائدة بنت الحاكم للدولة المترامية الأطراف إلا قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها لبن وملح جريش، فقال: " يا بنية أتقدمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد؟ " فأفطر بالخبز والملح وما شرب اللبن، لئلا تكون مائدة طعامه أكثر ألوانا من ضعاف رعيته (4)!
وأين رأيت في التاريخ حاكما يملك دولة ممتدة من خراسان إلى مصر، يضع لنفسه ولحكام ولاياته برنامج سلوك كالذي سجلته رسالته (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف حاكم البصرة، حين قد بلغه أنه دعي إلى وليمة ثري من أهلها فأجاب إليها، فكتب له:
" أما بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة، فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان! وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به، ويستضئ بنور علمه.
ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه.