فقال: لا، فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام)! فارتعد الرجل، ومضى إليه ليعتذر منه، فرآه وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلي، فلما انفتل أكب الرجل على قدميه يقبلهما، فقال له: ما هذا الأمر؟! فقال: أعتذر إليك مما صنعت، فقال:
لا بأس عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلا لأستغفرن لك! (1).
لقد كان أثر التربية القرآنية على مالك أن غرور المنصب الكبير لم يسلبه خضوع العبد المؤمن للحي القيوم عز وجل، وأن يجازي ذلك الذي أهانه - وهو مضطرب لا يدري ماذا سيلاقي من العقوبة - بأفضل الخيرات، بأن شفع له إلى الله تعالى، وطلب أن يغفر له!
هذه هي التربية التي أزالت الفوارق القومية الراسخة في النفوس، ومنها التعصب القومي بين العرب والفرس وغيرهم، فعندما اعترض بعضهم على جلوس سلمان الفارسي وأمثاله في مجلس النبي إلى جانب شخصيات قبائل العرب، وطلبوا من النبي أن يجعل لهم مجلسا خاصا، أجابهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله تعالى:
{و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} (2)، فصار سلمان أميرا على المدائن، وكان عطائه خمسة آلاف، وإذا خرج عطائه تصدق به، وكان يأكل من عمل يده، وكانت له عباءة يفرش بعضها ويلبس بعضها.
كما استطاعت أن تزيل فوارق العرق واللون، فصار بلال الغلام الأسود