مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ١٠٢
وأزال تطاول الأغنياء على الفقراء إلى درجة أنه اتفق أن رجلا غنيا نظيف الثياب كان في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجاء فقير فجلس إلى جنبه، فجمع الغني ثيابه من جانبه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أخفت أن يمسك من فقره شئ؟ قال: لا، قال:
فخفت أن يصيبه من غناك شئ؟ قال: لا، قال: فخفت أن يوسخ ثيابك؟ قال: لا. قال: فما حملك على ما صنعت؟
فقال: يا رسول الله إن لي قرينا يزين لي كل قبيح، ويقبح لي كل حسن، وقد جعلت له نصف مالي.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمعسر: أتقبل؟ قال: لا.
فقال له الرجل: ولم؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك! (1).
فأية تربية هذه التي غرست روح العطاء في نفس الغني، وغيرت تكبره إلى تواضع! وغرست النظرة البعيدة والهمة العالية في نفس الفقير، وغيرت ذلته إلى عزه!
استطاعت تربية القرآن أن تزيل تسلط القوي على الضعيف، كما نرى في قصة مالك الأشتر التالية.
فقد ورثت الدولة الإسلامية سلطان إمبراطورية الروم والفرس، وكان مالك الأشتر القائد العام لقوات أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وذات يوم كان مالك مجتازا سوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السوقة فسخر من زيه، فرماه ببندقة تهاونا به، فمضى ولم يلتفت! فقيل له: ويلك أتدري من رميت؟!

(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»