وبعدما أقبل قلب المصلي إلى عظمة الألوهية والربوبية ورحمانيته اليه ورحيميته وفضله وعدله وأدرك أن غيره لا يليق أن يكون معبودا ينتقل من الغيبة إلى الخطاب فيقول: (إياك نعبد).
وبما أن العبادة تحتاج إلى هداية وحول وقوة، يقول (وإياك نستعين)، ففي (نعبد) يرى أن العبادة منه، وفي (نستعين) يرى أنها بالله تعالى حيث (لا حول ولا قوة إلا بالله).
وفي (إياك نعبد) ينفي الجبر، وفي (إياك نستعين) ينفي التفويض.
وبهيئة المتكلم مع الغير (نعبد) يربط نفسه بجماعة المسلمين، فيتحقق عملا كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.
وبعد أن يؤدي المصلي مراسم العبودية، يدخل في مرحلة الدعاء، مرحلة طلب العبد من مولاه.. فيقول (إهدنا الصراط المستقيم)، وبذلك يطلب أعظم جوهر ينفعه في كل مراحل وجوده، لأن علو همة الإنسان، وإكرام مقام الألوهية يقتضي أن يطلب طلبا عظيما، هو جوهر الهداية إلى الصراط المستقيم، السليم من كل إفراط وتفريط.
والخط المستقيم واحد لا تعدد فيه، فالله واحد وصراطه واحد، وهو خط يبدأ من نقطة نقص الإنسان التي يقول عنها الله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} (1) وينتهي إلى الكمال الإنساني المطلق، مستوى: (إلهي ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك) (2)، ومستوى قوله تعالى: {وأن إلى ربك