فأعاد السلام فلم يجيبوه، فأعاد السلام، فقالوا: عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني، قالوا: يا رسول الله سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها، فقالوا: يا رسول الله هي حرة لممشاك، فقال رسول الله: الحمد لله، ما رأيت اثني عشر درهما أعظم بركة من هذه، كسا الله بها عريانين، وأعتق بها نسمة (1).
ومع كل ما رأى من قومه من الشدائد والأذى التي لم يؤذ نبي بمثلها (2) كان حريصا عليهم ليهديهم إلى الصراط المستقيم، وينقذهم من الجهالات والضلالات ويحييهم حياة طيبة في الدنيا والآخرة، ولما ظفر عليهم أسكن روعتهم بقوله: " لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء " (3).
وفي الموثق عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى باليهودية التي سمت الشاة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره، وإن كان ملكا أرحت الناس منه، قال: فعفا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها (4).
ومن تأمل في لطائف ما ظهر من مكارمه وتجلى في أقواله وأفعاله يرى أنه المبعوث لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
هذا قليل من كثير، يتعذر عده، وكيف تحصى مناقب من سبح الله نفسه بإسرائه به، وقال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد