مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٩٦
حفظهم من التذبذب والتراجع إلى الوراء.
وهذا الحد من الكمال لم يكن حاصلا في فترة قصيرة، وتشهد على ذلك الأحداث والوقائع التي كشفت عن تأصل الأخلاق الجاهلية في نفوسهم وعدم تغلغل الإيمان في قلوبهم، حتى أننا نجد أن القرآن يشير إلى ذلك تعليقا على ما حدث ووقع منهم في معركة أحد، إذ يقول سبحانه: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) *. (1) ويقول أيضا: * (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شئ) *. (2) وربما يتصور أن هذه النكسات تختص بالسنين الأولى من الهجرة، ولا تختص بالسنين التي أعقبت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لانتشار الإسلام في الجزيرة العربية واعتناق خلق كثير منهم الإسلام، ولكن التاريخ يرد تلك المزعمة ويثبت عدم بلوغهم الذروة في أمر القيادة بحيث تغنيهم عن نصب قائد محنك من جانبه سبحانه.
وهذه هي غزوة " حنين " التي غزاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الثامنة، وقد أصيب المسلمون بهزيمة نكراء تركوا النبي صلى الله عليه و آله وسلم في ساحة الوغى ولم ينصره سوى عدد قليل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفرق المسلمين حينها قارعهم بصوت عال، وقال: " أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله "، إلى غير ذلك من الكلمات التي علمها لعمه العباس حتى يجهر بها، وقد نقل القرآن الكريم إجمال تلك الهزيمة، وقال: * (لقد نصركم

(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»