كل ذلك يدل على وجود رواسب الجاهلية بين قبيلتي الأوس والخزرج حتى بعد اعتناقهم الإسلام وانضوائهم تحت لوائه. ويشهد على ذلك مضافا إلى ما مر ما أخرجه البخاري في صحيحه في قصة الإفك، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر: " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما يدخل على أهلي إلا معي ".
قالت عائشة: فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل، فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.
قالت: فقام رجل من الخزرج وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، قالت: وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية - فقال لسعد بن معاذ:
كذبت لعمرو الله، والله لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.
فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله، لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
قالت عائشة: فثار الحيان (الأوس والخزرج) حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر.
قالت: فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت. (1) فكيف يجوز والحال هذه أن يترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمته المفطورة على العصبيات القبلية، وعلى الاستئثار بالسلطة والزعامة وحرصها على النفس، ورفض