مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٨٢
ابن العاص عند اجتماعه مع أبي موسى الأشعري في دومة الجندل للتشاور في مسألة التحكيم المعروفة، ولم يكن هدفه من عد خلافة الخليفتين من أصول الإسلام إلا الإطاحة بالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
حيث تقدم عمرو بن العاص بالكلام، وقال للكاتب: اكتب، فكتب الشهادة بالتوحيد والرسالة، ثم قال للكاتب: ونشهد أن أبا بكر خليفة رسول الله، عمل بكتاب الله وسنة رسول الله حتى قبضه الله إليه، وقد أدى الحق الذي عليه... (1) فخرجنا بالنتيجة التالية: إن منصب الإمامة عندهم منصب اجتماعي يشبه منصب رئاسة الجمهورية في الوقت الحاضر، أو منصب رئاسة الوزراء في الحكومات الملكية أو ما يشبه ذلك، ولذلك لا يشترط فيه سوى الكفاءة لإدارة البلاد. ولا ينعزل بالفسق والظلم ولا بأكبر من ذلك، وما هذا إلا لأنه منصب اجتماعي، وما أكثر الظلم والفسق في أوساط الأمراء ورؤساء الجمهور، وإن كنت في شك من ذلك فاقرأ ما كتبه عظيم الأشاعرة أبو بكر الباقلاني وغيره.
قال الباقلاني (المتوفى عام 403 ه‍): لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال، وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شئ مما يدعو إليه من معاصي الله. (2) وليس الباقلاني نسيج وحده في تلك الفكرة، بل هي فكرة سادت عبر القرون، تراها في كلمات الآخرين، يقول التفتازاني:

(1) مروج الذهب: 2 / 397.
(2) التمهيد: 181.
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»