وبذلك تعلم كيفية تعلق إرادته سبحانه بالأشياء والأفعال، وأن القول بسعة إرادته لا تستلزم الجبر شريطة أن نتأمل في متعلق إرادته، فنقول:
إن إرادته لم تتعلق بصدور فعل الإنسان منه سبحانه مباشرة وبلا واسطة، بل تعلقت بصدور كل فعل من علته بالخصوصيات التي اكتنفتها. مثلا تعلقت إرادته سبحانه على أن تكون النار مبدأ للحرارة بلا شعور وإرادة، كما تعلقت إرادته على صدور الرعشة من المرتعش مع العلم ولكن لا بإرادة واختيار، وهكذا تعلقت إرادته في مجال الأفعال الاختيارية للإنسان على صدورها منه مع الخصوصيات الموجودة فيه، المكتنفة به من العلم والاختيار وسائر الأمور النفسانية.
وصفحة الوجود الإمكاني زاخرة بالأسباب والمسببات المنتهية إليه سبحانه، فمثل هذه الإرادة المتعلقة على صدور فعل الإنسان بقدرته المحدثة واختياره الفطري، تؤكد الاختيار ولا تسلبه منه.
ومع ذلك كله ليس فعل الإنسان فعلا خارجا عن نطاق قدرته سبحانه غير مربوط به، كيف وهو بحوله وقوته يقوم ويقعد ويتحرك ويسكن، ففعل الإنسان مع كونه فعله بالحقيقة دون المجاز، فعل الله أيضا بالحقيقة فكل حول يفعل به الإنسان فهو حوله، وكل قوة يعمل بها فهي قوته.
إلى هنا تبين أن تعلق إرادته سبحانه بالأفعال والأشياء لا تستلزم الجبر وكون الإنسان مجبورا في أعماله.
هذا كله حول ما أفاده المحققون فلنرجع إلى القرآن بغية استكشاف رؤيته حول هذا الموضوع.