الثاني: ما معنى القضاء؟
أما القدر بمعنى التقدير والتحديد، فكل ظاهرة طبيعية بل كل موجود إمكاني خلق على تقدير وتحديد خاص، ولا يوجد في عالم الكون شئ غير مقدر ولا محدد، وإليه يشير سبحانه بقوله: * (إنا كل شئ خلقناه بقدر (1)) *. وقوله سبحانه: * (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) *. (2) فالموجودات من النبات إلى الإنسان محددة بالحد الذي نعبر عنه بالماهية، وهكذا الحال في الجمادات.
وأما القضاء وهو حتمية وجود الشئ بعد تقديره وتحديده، وذلك رهن وجود سببه التام الذي يلازم وجود المسبب على وجه القطع والبت، فقضاؤه سبحانه عبارة عن إضفاء الحتمية على وجود الشئ عند وجود علته التامة، قال سبحانه في مورد السماوات: * (فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها) *. (3) ويقول في حق الإنسان: * (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا) * (4) أي حكم حكما حتميا بأن لوجود الشئ مدة محددة لا يتجاوز عنها.
هذا هو معنى القضاء والقدر من غير فرق بين وجود الإنسان وأفعاله ووجود الجواهر وأعراضها، غير أن الجميع قبل التقدير والقضاء مكتوب في كتاب عند الله سبحانه، وقد أشار إليه الكتاب العزيز في بعض الآيات: * (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله