مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٥١
وبالتالي لنفي عدله سبحانه، وإليك بيان الشبهة:
إن ما علم الله سبحانه تحققه من أفعال العباد، فهو واجب الصدور، وما علم عدمه فهو ممتنع الصدور منه، وإلا انقلب علمه جهلا، وليس فعل العبد خارجا عن كلا القسمين، فهو إما ضروري الوجود، أو ضروري العدم، ومعه لا مفهوم للاختيار، إذ هو عبارة عما يجوز فعله أو تركه، مع أن الأول لا يجوز تركه، والثاني لا يجوز فعله.
وقد وقع هذا الدليل عند الرازي موقع القبول، وقال: ولو اجتمع جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا الوجه حرفا إلا بالتزام مذهب هشام:
وهو أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها. (1) إن هذه الشبهة لا تختص بعلمه سبحانه، بل تسري أيضا في مجال إرادته، فإن ما في الكون غير خارج عن إرادته، وعند ذلك تتوجه الشبهة التي قررها الشريف الجرجاني (المتوفى عام 816 ه‍) بالنحو التالي:
قالوا: ما أراد الله وجوده من أفعال العباد وقع قطعا، وما أراد عدمه منها، لم يقع قطعا، فلا قدرة للإنسان على شئ منهما. (2) وأظن أن الرازي قد بالغ في شأن هذه الشبهة، وأنه لو تأمل فيما حققه الأعلام حول كيفية تعلق علمه وإرادته سبحانه بمعلومه ومراده لتجلت الحقيقة ناصعة.
وحاصل ما حققه الفطاحل من أعلام الفلسفة والكلام، هو ما يلي:
إن علمه الأزلي لم يتعلق بصدور كل فعل عن فاعله على وجه الإطلاق، بل

(٥١)
مفاتيح البحث: الجهل (1)، الجواز (3)، الوفاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»