مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٥٢
تعلق علمه بصدور كل فعل عن فاعله حسب الخصوصيات الموجودة فيه. وعلى ضوء ذلك تعلق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النار على وجه الجبر، بلا شعور، كما تعلق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش، عالما بلا اختيار، ولكن تعلق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان الاختياري منه بقيد الاختيار والحرية. وبالتالي: تعلق علمه بوجود الإنسان وكونه فاعلا مختارا، وصدور فعله عنه اختيارا - فمثل هذا العلم - يؤكد الاختيار ويدفع الجبر عن ساحة الإنسان.
وإن شئت قلت: إن العلة إذا كانت عالمة شاعرة، ومريدة ومختارة كالإنسان، فقد تعلق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرية، فلو صدر فعل الإنسان منه بهذه الكيفية لكان علمه سبحانه مطابقا للواقع غير متخلف عنه، وأما لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبر واضطرار بلا علم وشعور أو بلا اختيار وإرادة، فعند ذلك يتخلف علمه عن الواقع.
يقول العلامة الطباطبائي (1321 - 1402 ه‍): إن العلم الأزلي متعلق بكل شئ على ما هو عليه، فهو متعلق بالأفعال الاختيارية بما هي اختيارية، فيستحيل أن تنقلب غير اختيارية.
وبعبارة أخرى: المقضي هو أن يصدر الفعل عن الفاعل الفلاني اختيارا، فلو انقلب الفعل من جهة تعلق القضاء به، غير اختياري ناقض القضاء نفسه. (1) هذا هو حال تعلق علمه سبحانه بالأشياء والأفعال، وقد عرفت أنه لا يستلزم الجبر وبالتالي لا يستلزم خلاف عدله.

(1) تعليقة الأسفار: 6 / 318.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»