فإن الفقرة الأولى من الآية تعكس عقيدة المشركين وأنه لولا أمره ومشيئته لما كنا مشركين، لكن الفقرة الثانية ترد عليها ببيان أن الشرك ظلم وقبيح، والله لا يأمر بهما، وبالتالي لا تتعلق مشيئته بهما.
والعجب أن تلك العقيدة السخيفة لم تجتث بل بقيت عالقة في أذهان عدة من الصحابة حتى بعد بزوغ نجم الإسلام.
روى السيوطي عن عبد الله بن عمر: إنه جاء رجل إلى أبي بكر، فقال:
أرأيت الزنا بقدر؟
قال: نعم. قال: فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟! قال: نعم يا بن اللخناء، أما والله لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك. (1) وليس الخليفة الأول وحده ممن كان يحتج بالقدر السالب للاختيار، بل كان غيره على هذه الفكرة. روى الواقدي عن أم الحارث الأنصارية، وهي تحدث عن فرار المسلمين يوم حنين، قالت: مر بي عمر بن الخطاب منهزما، فقلت: ما هذا؟ فقال عمر: أمر الله. (2) نرى أن عمر يلجأ إلى أمر الله وقضائه، وأن الهزيمة كانت أمرا قطعيا لأنه سبحانه شاءها وأرادها، دون أن ينظر إلى سائر الأسباب التي حدت بهم إلى تلك الهزيمة.
لقد اتخذ الأمويون مسألة القدر أداة تبريرية لأعمالهم السيئة وكانوا ينسبون وضعهم بما فيه من شتى ضروب العيث والفساد إلى القدر، قال أبو هلال العسكري: إن معاوية أول من زعم أن الله يريد أفعال العباد كلها. (3)