أحلك الظروف وأشدها فأطلق أسارى فتح مكة قائلا: " اذهبوا فأنتم الطلقاء "، وقبل منهم - ومن غيرهم - مجرد إظهار الشهادتين، وعفا - بناء على ذلك - حتى عن قاتل عمه حمزة، بل مغتاله، أعني وحشيا الحبشي.
ورسم (صلى الله عليه وآله وسلم) - نظرا لتعاليم السماء - منهج الرحمة وحب السلم وكراهة الإكراه، فقد صدع حين دخل مكة فاتحا منتصرا على ألد خصومه بقوله: " من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن " موصيا أصحابه بعدم مقاتلة أحد إلا المقاتلين.
هذا، ناهيك عن أن قبول دخول المخالفين فكريا في ذمة الله ورسوله والمؤمنين نفسه دليل على رفض الإكراه، والدعوة للسلم والحوار ما وجد إلى ذلك سبيلا.
لكن التيار الحاكم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نحا منحى آخر في هذا المجال، فاتخذ أسلوب الإكراه طريقا لإخضاع المخالفين وإرهابهم، وإن كان الآخرون مسالمين، لم يسلوا سيفا ولم يعلنوا قتالا!!
فبعد أن أعلن علي بن أبي طالب أنه صاحب الحق بعد الرسول، ورفض مبايعة أبي بكر، واعتزل في بيته، ومعه العباس والزبير وفاطمة والحسنان و.. معلنا ما يسمى اليوم ب: " الإضراب " السلمي، بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى هؤلاء ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم (1).
وبالفعل، طبق قانون الإكراه، إذ أخرج علي بالقوة، يقاد إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش (2)، وسيق سوقا عنيفا، وامتلأت شوارع