مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٧ - الصفحة ٢٣٥
وإذا لم يتحمله عنهم لم يغفره لهم، وإذا لم يغفره لهم كان الواجب أخذ الحق منهم لمن ظلموه، وهو ظاهر جلي.
وقوله تعالى: * (وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون) * (1) وأمثالها من الآيات.
وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ليأخذن الله للجماء من القرناء " (2) وأشباهه من الروايات يصححان هذه الأخبار ويثبتان حكمها تمام الإثبات.
وقاعدة العدل - المبينة في الكتب الكلامية، الحاكمة بوجوب الاقتصاص من الظالم للمظلوم (3) على وجه الإطلاق الذي لا يقبل التقييد -

(١) سورة الزمر ٣٩: ٦٩.
(٢) أورده ابن حنبل في مسنده ٣ / ٥٠ ح ٨٥٣٨، عن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء... ".
وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٢ / ٦٤٩، عن عثمان، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " يقتص للجماء من القرناء يوم القيامة ".
والحاكم في المستدرك ٢ / ٣١٦، عن أبي هريرة: "... فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء... ".
وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث ١ / ٣٠٠: إن الله تعالى ليدين الجماء من ذات القرن "، والجماء: التي لا قرن لها.
والبرقي في المحاسن ١ / ٦٨ رقم ١٨، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) صعد المنبر بالكوفة - إلى أن قال: - قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم... ونطحة ما بين الشاة القرناء إلى الشاة الجماء.
والمجلسي في بحار الأنوار ٩٥ / 462، في صحيفة نبي الله إدريس (عليه السلام) في التوكل - إلى أن يقول: - فورب السماء ليقتصن من القرناء للجماء.
(3) قال المقداد السيوري في إرشاد الطالبين - ص 285 -:
مسألة: هل العوض واجب على الباري تعالى؟
قال العلامة: هو واجب، وإلا لزم الظلم.
أقول: العوض: إما مستحق عليه تعالى، فيجب عليه إيصاله إلى مستحقه وإلا لكان ظالما - تعالى الله عنه -، والظالم بذلك ضروري..
وإما مستحق على العبد، فيجب عليه تعالى الانتصاف للمظلوم من الظالم، لأنه لما مكنه من الظلم بإعطاء القدرة ولم يمنعه بالجبر، وجب عليه الانتصاف، وهو أن يأخذ من منافع الظالم التي استحقها على الله أو على غيره للمظلوم بقدر ما يوازي ظلمه، وإلا لكان تعالى بالتمكين ظالما.
ولا يلزم من تمكينه الظالم كون العوض عليه تعالى، لأنه لم يأمره بالظلم ولم يجبره عليه، بل إنما أعطاه القدرة والتمكين ليستعمل ذلك في الطاعة.
ومثاله: إن من أعطى شخصا سيفا ليقتل به كافرا فقتل به مؤمنا، فكما إن العوض هنا على القتل فكذا هناك.
قال: وهل يجوز أن يمكن الله تعالى من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي فعله؟! جوزه أبو هاشم والبلخي. واختلفا: فيجوز البلخي خروجه من الدنيا بغير عوض، بل يتفضل الله تعالى على الظالم بالعوض ويدفعه إلى المظلوم، ومنعه أبو هاشم وأوجب التبقية، لأن الانتصاف واجب، فلا تعلق بالتفضل الجائز.
أقول: قد ذكرنا أن الانتصاف الذي هو نقل المنافع إلى المظلوم واجب عليه تعالى، والآن نقول: هل يجوز في الحكمة أن يمكن الله تعالى من الظلم من لا عوض له يوازي ما صدر عنه، أم لا؟! جوز ذلك أبو القاسم البلخي ومحمود الخوارزمي وأبو هاشم، ومنعه السيد المرتضى - رضوان الله تعالى عليه -.
حجة الأولين: أنه لو لم يكن جائزا لما وقع، لكنه واقع، فيكون جائزا وهو المطلوب..
أما الملازمة: فظاهرة، وأما بيان الوقوع: فلأنا نرى الملوك والظلمة يصدر عنهم آلام عظيمة، ومن المستبعد أن يكون لذلك الظالم القاهر أعواض توازي ما صدر عنه بالنسبة إلى كل واحد واحد من المظلومين.
والجواب: غير مستبعد أن يكون قد حصل لذلك الظالم الآلام التي يفعلها الله تعالى به أعواضا كثيرة بحيث ما يوازي ما عليه، فإن العوض عليه تعالى زائد إلى حد الرضا وعلينا مساوي.
ثم اختلف هؤلاء المجوزون في أنه هل يجوز أن يخرج من الدنيا ولا عوض له أم لا؟! فقال أبو القاسم: يجوز ذلك، لجواز أن يضمن الله تعالى عنه، ويتفضل عليه بأعواض يوصلها إلى المظلوم.
وقال أبو هاشم: لا يجوز، لأن التفضل جائز والانتصاف واجب، ولا يعلق الواجب على الجائز. وقال: يجب على الله تعالى تبقيته كي يحصل له أعواض ينقلها عنه.
قال السيد المرتضى: الانتصاف واجب، والتفضل والتبقية جائزان فلا يعلق الواجب بهما.
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 233 234 235 237 238 239 240 241 ... » »»
الفهرست