غير المرئية للعقل، ولا المطلوبة له.
الثالث: عدم تسليم وجود حكم للعقل بوجوب حفظ النفس في مثل هذا المقام:
لأن العقل إنما يدرك الكليات، دون الأمور الخاصة، فلو فرضنا أن إلقاء النفس إلى التهلكة كان أمرا قبيحا عند العقل، فهو بمعناه الكلي أمر يدركه العقل العملي، وبصورته المجردة عن أية ملاحظة أو غرض يتدارك به ذلك القبح.
فلو ترتبت على الالقاء مصلحة، أوجبت حسنة، لم يكن للعقل أن يعارض ذلك، بل لا بد له أن يوازن بين ما يراه من القبح وما فيه من الحسن.
وبعبارة أخرى ليس ما يدركه العقل هنا وفي صورة المعارضة للأغراض، واجب الإطاعة والاتباع، وإنما المتبع هو الراجح من مصلحة الغرض أو مفسدة ما يراه العقل، كالعكس فيما يدرك العقل حسنه ولكن الأغراض تبعده والشهوات تأباه!
والحاصل: أن درك العقل للحسن والقبح الذاتيين وإن كان مسلما، إلا أن اتباعه ليس واجبا، والعمل عليه ليس متعينا إذ أحرز الإنسان مصلحته في مخالفته، بعادة أو عرف أو شرع.
وإذا علمنا بأن الأئمة عليهم السلام إنما أقدموا على القتل وتحمل المصائب لأغراض لهم - وهي الوجوه التي عرضنا بعضها وسنعرض بعضها الآخر - فلا أثر لحكم العقل في موردهم بقبح الفعل، ولا بوجوب حفظ النفس، بل قد يحكم بوجوب الالقاء، وحرمة المحافظة على النفس، نظرا للأخطار العامة، والكبرى المترتبة على حفظ النفس، ولفوات الآثار المهمة بذلك.
وهذان الأمران - الثاني والثالث - إنما طرحهما الشيخ المجلسي على أثر