مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ٦٤
يجعل منه أمرا سيئا، فيحاول أن يجعل (عدم حصر الاجتهاد بفرد أو أفراد) نقطة ضعف، بينما هي أكبر نقطة قوة في نظام التشريع الإسلامي، إذ تعني أن لكل فرد من أفراد المجتمع الإمكانية في التطلع إلى هذا المقام، إذا أمكن أن يحقق لنفسه قابلية الاجتهاد وتمكن من أن يتوصل بالجد والدراسة إلى مرتبة علمية تؤهله لذلك، فليس الاجتهاد (تمرا) أو (سندويجا) يأكله الفرد، وإنما هو بحاجة إلى متابعة ومثابرة حتى تحصل ملكته في عقله ونفسه.
فهل القانون الغربي يمنع أي فرد أن يدرس القانون ويترقى في مدارج المدارس القانونية، حتى يترشح إلى المجلس التشريعي ويصير مشرعا؟! أو أن السلطة التشريعية - مثل أية سلطة أخرى - محصورة في الغرب على أفراد معينين من طبقة معينة موصوفة لا تتعداها؟!
نعم، الإسلام لم يحصر الاجتهاد في شخص أو جماعة، وهذه مفخرة في النظام الإسلامي، فلا تتكون سلته التشريعية من ثلة من المتحزبين في إطار وضعي معين، ولا يتبعون أهواءا خاصة، بل جعل صفة (الاجتهاد) ومعرفة الأحكام من أدلتها ملاكا لقابلية الدخول ضمن السلطة التشريعية، فهل هذا نقص حتى يعرضه المؤلف ضمن ما يتصوره على الحضارة الإسلامية من (سلبيات)؟!
وأما أن الاجتهاد ليست له صفة الالزام، فهذا جهل ببحوث هذا الموضوع الهام في علم التشريع الإسلامي، فالاجتهاد إليه ملزم لنفس المجتهد بلا نزاع، ولمن يرى ذلك المجتهد أعلم من المجتهدين الآخرين، وبالنسبة إلى الموضوعات العامة التي ترتبط بإدارة الشؤون الحكومية، فإن الالزام حتمي فيما إذا كان المجتهد الحاكم قائما بالأمر، بعد موافقة أهل الخبرة من المجتهدين - أصحاب السلطة التشريعية - وتعينه (وليا للأمر) ويكون حكمه نافذا، بعد ثبوت اجتهاده، وموافقته للأصول المقررة وعدم مخالفته للدستور الأساسي للشريعة، ولا يجوز الرد عليه حتى من مجتهد آخر.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست