مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ١١٢
ولا أظن أن هناك فقيها لا يبيح الجمع في أول الوقت في مثل تلك الأحوال، وإن أوجبوا التأخير حينئذ فإن ذلك مما يأباه الله ورسوله والمؤمنون، ومن خرج عن الكتاب والسنة رد إليها راغما.
ومما يرشدك أيضا إلى أن الجمع المذكور في تلك الأحاديث هو الجمع الحقيقي بإتيان إحدى الصلاتين في وقت الأخرى تقديما أو تأخيرا: ما فهمه بعض أهل العلم - ممن رد حديث ابن عباس في الجمع كما سيأتي في كلام الترمذي - من معنى الجمع في الحديث، فلو كان المراد به الجمع الصوري لما كان وجه لرد الحديث، لأن جوازه مفروغ منه، لكنما رده ذلك البعض لمخالفة مدلوله لمذهبه، لكون الجمع الحقيقي هو المتبادر منه هنا.
وبالجملة: فإنه يتعين حمل الجمع في الحضر - المذكور في أحاديث الباب - على ما فهموه من جمع السفر والموطنين عرفة والمزدلفة، أعني الجمع الحقيقي دون الصوري، لأنه المنسبق منه إلى الذهن عند الاطلاق - بلا قرينة - ولعدم الصارف عن ذلك - كما تقدم بيانه آنفا -.
وحيث أسفر لك الحق إسفار الصبح لذي عينين بأن جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة لم يكن لعذر من الأعذار البتة، خلافا لما يزعمه العامة، نصرة لمذهبهم، وتقليدا لأئمتهم، وتعصبا بغير حق.
فكتاب الله تعالى وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أحق أن يتبعا، وأحرى أن يقتفيا، إذ كل يؤخذ من قوله ويرد حاشا من عصمه الله تعالى.
هذا، وقد ذهب جماعة من الأئمة والفقهاء من أهل السنة والجماعة وغيرهم إلى ما ذهب إليه أصحابنا الإمامية - أعلى الله كلمتهم - من جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر مطلقا فضلا عن السفر، انقيادا للدليل وبخوعا للحجة، إلا أن بعضهم اشترط فيه عدم اتخاذه خلقا وعادة!!
قال شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل ابن حجر العسقلاني في (فتح
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست