الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي (31).
فكيف يركن الكاتب إلى مثل هذا العمل المهزوز علميا، في تضعيف أحاديث المهدي؟!
والجهة الثانية التي اعتمدها ابن خلدون في نقده لأحاديث المهدي، هي: قاعدته الاجتماعية المبنية على أن العصبية هي دعامة الانتصار في كل دعوة إلى الدين أو الملك، ولا تتم بدونها دعوة، وهي لا توجد عند المهدي، فهو يقول في نهاية الفصل الذي عقده لذكر المهدي: الحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك: أنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتدافع عنه من يدفعه، حتى يتم أمر الله فيه.
وعصبية الفاطميين، بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبيين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد، وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم، يبلغون آلافا من الكثرة.
فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهوره دعوته إلا بأن يكون منهم، ويؤلف الله بين قلوبهم في اتباعه، حتى تتم له شوكة وعصبية وافية بإظهار كلمته، وحمل الناس عليها.
وأما على غير هذا الوجه، مثل أن يدعو، فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق، من غير عصبية ولا شوكة، إلا مجرد نسبة في أهل البيت، فلا يتم ذلك، ولا يمكن! (32).
وبهذا المنطق يريد أن ينفي ابن خلدون الأحاديث الصحيحة التي وردت ووعدت بالمهدي المنتظر، ولكنه منطق هزيل أمام الواقع: