مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٢ - الصفحة ٤٤
للأدلة منها.
فليس ما عرضه الكاتب في هذا المجال خاصا بأحاديث تتحدث عن المستقبل فقط، بل أحاديث الماضي - وحتى الحال - تحتاج إلى مثل هذا النقد، المستلهم أساسا من مزاولات العرف، وقرائن الحال والمقال.
والملاك في الجميع - الماضي والحال والمستقبل - واحد، وهو كونها جميعا من " الغيب " الذي لا يعلم إلا عن طريق المخبر الصادق، والعارف.
وبما أنه من المنقول ويعتمد على السماع، فالملجأ الوحيد هي الأخبار والأحاديث الراوية لذلك، لا غير.
ولكن الأمر بالنسبة إلى المؤمنين بالنصوص الدينية مختلف، فلو جاء القرآن الكريم، الذي هو " الوحي المعجز " أو جاء به الحديث الشريف، الذي هو " وحي غير معجز " فإنهم يؤمنون بذلك اعتمادا على الإيمان بالله والرسول.
والسر في ذلك: أن الله تبارك وتعالى، وإن كلفنا بالاستمداد من العقل وتحكيمه، إلا أن ذلك متصور فيما طريقه العقل فقط، وأما ما لا طريق للعقل في الحكم فيه فإنه تعالى كلفنا باتباع الرسل، والأخذ منهم، والاعتماد على ما ينقلونه من أخبار الشرع وغيره، وأتباعهم فيما يفعلونه والتزام ما يقررونه.
فالشرائع السماوية تعتمد على عنصر " التبليغ " ويتقرر الواجب على المسلم عند " البلوغ ".
ومهمة الرسل هو إيصال الأحكام والحقائق والمعارف إلى البشر، وإتمام حجة البلوغ عليهم.
أما المؤمنون فهم مكلفون بالتزام ما وصل إليهم وبلغهم من كلام الرسل.
قال الله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) *.
ولما كانت الشريعة الإسلامية تعتمد عنصر النقل والبلوغ، فقد قرر علماء الدراية والمصطلح، قواعد محكمة متينة لضبط أمور الرواية والنقل، وهي قواعد لم تسبقهم الأمم في كل الحضارات إلى ذلك، سواء في ذلك الإلهية أم
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست