وقد روي أعجب منه عن ابن عباس رحمة الله عليه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وآله عرض على علي عليه السلام الإسلام، فقال له علي: (أنظرني الليلة) فقال له النبي عليه السلام: " هي أمانة في عنقك، لا تخبر بها أحدا " (68).
فلينظر الغافلون إلى هذا الكلام الواقع منهما عليهما السلام، وسؤال أمير المؤمنين عليه السلام له في التأجيل والإنظار.
هذا، وهو الذي كفله ورباه ولم يزل طائعا له في جميع ما يؤثره ويراه، فلما أتاه الأمر الذي رأى أن الإقدام على الإقرار به من غير علم ويقين قبيح سأله التأجيل.
ثم قول النبي صلى الله عليه وآله له: " إنها أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا " مما تشهد العقول بأسرها أنه لا يقال إلا لمميز يكون عقله كاملا.
ويزيد هذه الحال أيضا بيانا أنه لما أسلم عليه السلام، كان يخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شعاب مكة فمرة يصلي معه، ومرة أخرى يرصد له، حتى روي أن كل واحد منهما كان إذا صلى صاحبه حرسه ووقف يرصد له (69)، فهل يصح أن يخص بهذا الأمر من لا عقل له؟! إلا، ولكن قد تخفى صحته عمن لا عقل له.
والعجب أن مخالفينا يدفعون أن يكون إسلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو ابن عشر سنين له فضيلة، ورسول الله صلى الله عليه وآله لم يدفع ذلك، بل كان يعده له من أول الفضائل، ويخبر به إذا مدحه وأثنى عليه في المحافل!!
والعجب أنهم ينكرون علينا الاحتجاج بتقدم إسلامه، وهو صلى الله عليه كان يحتج بذلك بين الصحابة، فلا ينكره أحد عليه ولا يقول له: وما في هذا لك من الفضل، وإنما أسلمت وأنت طفل ليس لك عقل.