فصل في البلوغ فأما ظن الخصوم من أن البلوغ إلى درجة التكليف هو الاحتلام، وقولهم أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن بلغ وقت إسلامه مبلغ المحتلمين فيكون من المكلفين، فظن غير صحيح، ولو كان الأمر كما زعموه لكان كل من بلغ الحلم مكلف، ونحن نعلم فساد ذلك، لوجود بالغين من البله والمجانين غير مكلفين.
والواجب الذي ليس عنه محيد أن يقال: إن وجود العقل في الإنسان وصحة التمييز منه والإدراك شرط في وجوب تكليف العقليات من النظر والاستدلال، ومعرفة ما لا يسع جهله من الأمور الواجبات، واعتقاد الحق بأسره وإدراك الصواب، وشرط أيضا في صحة تعلق العبادات السمعيات، وإن كان أكثرها يسقط عمن لم يبلغ الاحتلام ولا (70) يعلم سقوطه إلا من جهة السمع الوارد دون ما سواه، ولم يكن المشروع كله حاصلا في ابتداء البعثة، ولا أتى الوحي وقت إسلام أمير المؤمنين عليه السلام بجميع العبادات السمعية، فيعلم ما هو لازم لمن لم يبلغ الحلم مما هو غير لازم له.
فأما التكليف الواجب في العقول فلا يجوز أن يسقط عمن له عقل وتحصيل، فحصول العقل إذن هو بلوغ حد التكليف، وقد بينا أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان كامل العقل وهو ابن عشر سنين، فلزمته المعرفة بالله تعالى والرسول، وبجميع ما توجب معرفته (71) العقول، ولزمه من التعبد المسموع ما قارن وجها من المصلحة له في المعلوم، وهذا كاف لذوي التحصيل.
وقد أوردت في هذا الكتاب من القول في إسلام أمير المؤمنين عليه السلام ما فيه منفعة للمؤمنين، وحجة على المخالفين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا