فصل في أن إسلامه عليه السلام كان عن بصيرة واستدلال.
إعلم أنه لما توجهت الحجة على المخالفين بتقدم إسلام أمير المؤمنين عليه السلام على سائر المكلفين، قالوا: وما الفضيلة في إسلام طفل لم يلحق بدرجة العقلاء البالغين؟
وأي تكليف يتعين عليه يستحق بفعله الأجر من رب العالمين؟
وهل كان إلقاء الإسلام إليه إلا على سبيل التوقيف والتلقين الذي يفعله أحدنا مع ولده لينشأ عليه ويصير له من الألفين؟
وخطأ هؤلاء القوم لائح للمتأملين، وضلالهم عن الحق واضح للمنصفين، وذلك أن الحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ابتداء أمره من كتمان ما هو عليه وستره، وصلاته مختفيا في شعاب مكة للمخالفة التي كان فيها والتقية، منتظرا لإذن الله تعالى له في الاعلان والإظهار، فيبدي حينئذ أمره على تدريج يأمن معه أسباب المضار، يقضي ألا يلقي ذلك إلى الأطفال والصبيان الذين لا عقول لهم يصح معها الكتمان، والذين من عادتهم الإخبار بما علموه والإعلان.
فإذا علمنا وهذه صورة الحال، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خص في ابتدائها بالوقوف على سره أحد الأطفال، تحققنا أن ذلك الطفل مميز بصحة العقل والكمال، وليس يستحيل حصول العقل والتمييز لابن عشر سنين، ولا تجويز ذلك في (63) الأمور المستبعدة عند العارفين، والمنكر لذلك إنما يعول على الغالب في المشاهدات، والعقل لا يمنع من وجود ما ذكرناه في نادر الأوقات، بل لا يمنع من أن يجعل الله تعالى ذلك آية يخرق بها العادات.
وقد أخبر سبحانه عن نبيين من أنبيائه عليهم السلام بما هو أعجب من هذا، وما عيسى ويحيى.