مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢١ - الصفحة ٤١٢
فقال حاكيا كلام عيسى عليه السلام للناس في المهد: (إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا " (64).
وقال في يحيى عليه السلام: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأتيناه الحكم صبيا " (65).
فإن قال الخصوم: إن هذين نبيان يصح أن تكون لهما الآيات والمعجزات.
قلنا: فما المانع من أن يكمل الله تعالى عقل طفل في زمن نبينا عليه السلام، ويمنحه صحة التمييز والاستدلال، ويخصه بالتكليف دون جميع الأطفال، ويكون ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وآله، وكرامة له في أخص الناس به، ولوجه آخر من الصلاح يختص بعلمه، وليكون مع هذا كله إبانة لوليه الذي هو حجته ووصي نبيه صلى الله عليه وآله.
فما المحيل لما ذكرناه، والمانع من كونه؟! أوليس قد روي أن الشاهد الذي شهد من أهلها في قميص يوسف عليه السلام كان طفلا في المهد له سنتان وليس بنبي؟! وبعد:
فقد أوجدكم الله تعالى عيانا من أحد أئمتنا عليهم السلام ما هو أكثر مما أنكرتموه من هذه الحال، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام، وشهادة المأمون له - لما عوتب على تقريبه ومصاهرته وهو ابن تسع سنين - بالعقل والعلم والكمال، واتفاقهم معه على أن يعقدوا له مجلسا للامتحان، وسؤالهم يحيى بن أكثم القاضي في أن يتولي لهم ذلك، وبذلهم له الأموال، وما جرى له من عجيب الكلام في السؤال والجواب حتى عجز يحيى ووقف في يديه وأذعن بالاستفادة منه، والرجوع فيما لا يعلمه إليه، وهذا أمر قد شاركتمونا في نقله، واتفق أصحاب الحديث على حمله (66).
ولسنا نشك في أن هذا العلم والفضل والفهم لم يحصل لأبي جعفر عليه

(٦٤) مريم ١٩: ٣٠.
(٦٥) مريم ١٩: 12.
(66) الإرشاد: 322، الاحتجاج: 443، نور الأبصار: 177.
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»
الفهرست